غير أن هذا الميل لا يتجلى إلا من خلال ما نضفيه من معان جمالية، ذلك بأننا نجعل النبض الإيقاعي يتجاوز المستوى الانفعالي باتجاه أعمق، بحيث لا يكفي أن يكون هذا الإيقاع مجرّد استجابة سطحية، بل ينبغي أن يتحول إلى تجربة باطنية، من شأنها أن توازي حدود ما يفيض به النص من دلالات متنوعة تبعاً لهذا الإيقاع. لأن "طبيعة الجمالية الإيقاعية الحديثة ليست مهيأة لموروث النظام النغمي وإنما تسعى إلى هدمه وتفكيكه بغية خلق أنواع جديدة من التراكيب النغمية"((١)).
وهذه النظرة يمكن تجاوزها بعمق، لأن النص –هنا- قرآني لا يتحدد ومن ثم فالمقصدية هنا، هي استقراء الباطن واستجلاء العمق.
وقد لاحظنا أيضاً –وعبر هذه المقاطع القرآنية- إيقاعات داخلية، من شأنها تفجير المكبوت النصي، بحيث ألفيناها تعمل على توليد فضاءات دلالية وأبعاد جمالية، بلغت حد الانبهار.
هذه المقاطع العشرة تمثل النوع الأول الذي أطلقت عليه السرد الإيقاعي.
وهو في مظهره يتسم بالازدواجية "فكأن هذا الإيقاع المزدوج بمثابة شحنة صوتية سرت في سطح النص من أوله إلى آخره، من أجل شد الجزء الأول من المستوى الإيقاعي بالجزء الآخر منه"((٢)).
ونكتفي بالعلاقة المتينة بين شكل المقاطع ومضامينها، والتي تجسدها الألف المقصورة ظاهرياً والميل باطنياً.
فالميل والانحناء: هما خاصيتا هذا النوع من السرد. فلقد بلغ الترابط العضوي بين هذه المقاطع حداً رائعاً من الإيقاع وجماليته شكلاً ومضموناً. كل هذا صنعته الألف المقصورة أو الفاصلة القرآنية التي "ترد وهي تحمل شحنتين في آن واحد، شحنة من الواقع الموسيقي وشحنة من المعنى الملتحم للآية"(٣).
(٢) د. عبد الملك مرتاض.. أين ليلاي؟.... ص٥٥.
(٣) د. بكري شيخ أمين التعبير الفني في القرآن ص ٢٠٣.