لقد انتخبت قصة موسى في سورة القصص نموذجاً، كاشفاً لطبيعة البناء الفني للشخصية القرآنية وذلك لعدة عوامل أهمها:
-كونها تمثل حضوراً قوياً على صعيد الجملة القرآنية، حيث تكررت أكثر من ثلاثين مرة، ونعني بالتكرار ههنا "أن ترد القصة الواحدة مكررة في مواضيع شتى، ولكن هذا التكرار لا يتناول القصة كلها-غالباً- إنما هو تكرار لبعض حلقاتها، أو معظمه إشارات سريعةٌ لموضع العبرة فيها، أما جسم القصة كله، فلا يكرر إلا نادراً ولمناسبات خاصة في السياق"(١) وتبعاً لهذا، تتشكل صور البناء.
-ولأن شخصياتها بشرية، الأمر الذي يسمح لنا بمعالجتها من الداخل.
-ثم لأن شخصية موسى ذات ظلال متميزة، إذ تتقاطع فيها الخطابات المتنوعة مما يجعل الرؤيا كشفية من شأنها الإفضاء إلى التجاوز والاستشراف، ومن ثمّ الوقوف على جوهر البناء المتنوع طردياً مع تنوع أفعال الشخصية.
نص النموذج:
قال تعالى: ﴿ وأوحينا إلى أمّ موسى أن أرضعيه، فإذا خفت عليه فألقيه في اليمّ ولا تخافي ولا تحزني إنّا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين. فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّاً وحزناً، إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين. وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه، عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون. وأصبح فؤاد أمّ موسى فارغاً إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين. وقالت لأخته قصّيه، فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون. فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق، ولكن أكثرهم لا يعلمون ﴾ (٢).
(٢) الآيات ٧ إلى ١٣ من سورة القصص.