غير أن مدارستنا جاءت لاغية لهذه النظرة المعرقلة للمسار العلمي والمعرفي الذي ينبغي أن يكون عليه القرآن بوصفه نصاً موجهاً للإنسانية جمعاء، فضلاً عن أنه ينهض على العقيدة والتشريع.
إن المستويات السردية تظهر بوضوح في الآثار السردية، التي مازال يجمع النقاد والباحثون على أنه لا يمكن لأي أثر سردي في تاريخ أدبنا العربي، أن يكون أرقى وأغنى وأوفر حظاً من هذه السحرية السردية التي يتميز بها النص القرآني.
وعسى أن يكون وصفنا للسرد القرآني بالإعجازية مؤسساً انطلاقاً من طبيعة السردية البشرية الوضعية، بالرغم من أن بعض المستويات-في حدود قراءتنا- وجدناها حاضرة في أعمال سردية شهيرة كألف ليلة وليلة وأدبيات ابن المقفع والمقامات، وفي بعض النماذج الروائية من أدبنا العربي الحديث، وهي تتماس-في تمظهرها- مع السردية القرآنية.
أما تخصيص عملنا هذا في مجال القصة القرآنية، فهذا ليس بدعا علينا، ذلك أن القص القرآني كثيراً ما كان موضوعاً لأطروحات جامعية، وموضوعات لمؤلفات عدة. نذكر مثلاً، قصة موسى لأحمد الجبالي، وقصة يوسف لإبراهيم أبو الخشب، وكذلك كتابي، التصوير الفني في القرآن للسيد قطب، والتعبير الفني في القرآن للشيخ بكري أمين- ثم كتابي، سيكولوجية القصة في القرآن للتهامي نقرة، والجانب الفني في القصة القرآنية لخالد أبو جندي.
إلا أن هذه الأبحاث- في مجملها- كانت تطغى عليها النظرة التعليمية، الأمر الذي جعلها بعيدة عن ملامسة جوهر المتن القرآني في جمالياته التي يفيض بها من إيقاعية ساحرة وسردية متنوعة، وزمنية جديدة وغيرها.
ولعل ميلنا إلى القص القرآني- بالرغم من أننا نعرف أنه ليس بالأمر الهين تحليل أثر سردي عميق، وما تقتضيه طبيعة التحليل من جمال هذا الأثر الذي يتعالى إلى الأبدي عن الضبط والتقويم- مرجعه إلى علل مختلفة نفترض أنها كانت وراء اختيارنا، أهمها:


الصفحة التالية
Icon