إن مكونات الخطاب السردي التي سنذكرها بعد حين، لا تتكشف لمجرد القراءة الأولى للنص القرآني، بل جاءت نتيجة تمرس مستمر (قراءة، ورؤية)، الشيء الذي يدفع إلى التأويل، ويمنح القدرة على إضاءته والكشف عنه في ضوء الراهن والحيني.
غير أن هذا الانسحاب إلى النص القرآني لا يتم إلا وفق شروط(١) ينبغي توفرها في القارئ النموذجي (Le Iecteur Model) لأدبية الخطاب القرآني، وبدونها لا يتحقق هذا المسعى، لأن النص القرآني، يتطلب تنوعاً معرفياً يؤهل للقراءة الواعية"، ليس ينبغي الاستنامة إلى مستوى واحد من التأويل، لأن النص سيظل خاصاً بدون تأويل ومستغلقاً بدون تحليل"(٢)...

ولما كان أساس التأويلية لغة ـ لما فيها من خصوصيات التجاوز والتفسير ـ فإن هذا ما جعل بعض النقاد العرب، كحسين الواد، وخالدة سعيد، وعبد الملك مرتاض، ومن غير العرب كفلادمير بروب، وتودوروف، وبارث، يتخذون من اللغة الأداة الاستكشافية التي ميزت مختلف تنظيراتهم النقدية" ولاشك في أن النظرة التقديسية للعنصر اللغوي في الإبداع الأدبي، قد استمدت سلطتها عند هؤلاء النقاد من القاعدة التي ترى أن سرَّ الإعجاز الفني في الإبداع الأدبي، لا يرجع إلى ما يتضمنه من حقائق تنتهي عادة بانتهاء متطلباتها وزوال مناسباتها، وإنما يرجع إلى قالبه اللغوي الذي لا ينفك عن الإشعاع الدلالي"(٣).
(١) منها معرفة أصول اللغة العربية والتحكم في قواعدها والتمرس على الشاهد البلاغي، التوفر على قدر كبير من استظهار القرآن الكريم مع معرفة واسعة بعلومه.
(٢) د. عبد الملك مرتاض: تعددية النص (نظرية النقد ونظرية النص)، مجلة كتابات معاصرة /ع١/ ١٩٨١ ـ ص ٢٨-٢٩.
(٣) خالدة سعيد: حركية الإبداع ـ دراسات في الأدب العربي الحديث ـ دار العودة ببيروت ـ ١٩٧٩ ـ ص ٥٧-٥٨.


الصفحة التالية
Icon