الخامس: أن ما ظهر أفعال الجوارح، وما بطن: اعتقاد القلوب، ذكره الماوردي في تفسير هذا الموضع، وفي تفسيره قوله: ﴿ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ﴾ (١)، وقال السدي: أما ما ظهر منها فزواني الحوانيت، وأما ما بطن: فما خفي (٢). وقال الضحاك: ما ظهر منها يعني العلانية، وما بطن يعني السر (٣). وقال أيضًا: ما ظهر: الخمر، وما بطن: الزنا (٤). قال البغوي رحمه الله: ما ظهر يعني العلانية، وما بطن يعني السر، وكان أهل الجاهلية يستقبحون الزنا في العلانية ولا يرون به بأسًا في السر، فحرم الله الزنا في العلانية والسر (٥). وقال القرطبي رحمه الله: قوله: ما ظهر: نهي عن جميع الفواحش وهي المعاصي، وما بطن: ما عقد في القلب من المخالفة (٦).
قلت: والفواحش: كل ما قبح وفحش من الذنوب، والله يغار على محارمه، قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : قال رسول الله - ﷺ - :«لا أحد أغير من الله، ولذلك حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن» (٧) الحديث. وأما صغائر الذنوب التي سمَّاها الله سبحانه وتعالى «اللمم»، حيث قال: ﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ﴾ (٨)، فلا يسلم منها أحد إلا ما شاء الله، ولهذا مدح الله الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم.
* * *
المبحث الثالث: وعيد الله لمن فعل شيئًا من ذلك

(١) سورة الأنعام، الآية: ١٢٠.
(٢) كما في تفسيره زاد المسير ٣/١٤٨.
(٣) ذكره الطبري في تفسيره ٨/٦١.
(٤) كما في المصدر السابق.
(٥) المصدر السابق.
(٦) كما في تفسيره الجامع ٧/١٣٢.
(٧) أخرجه البخاري ٨/٢٩٥ (٤٦٣٤) ومسلم ٤/٢١١٤ (٢٧٦٠).
(٨) سورة النجم، الآية: ٣٢.


الصفحة التالية
Icon