أن تكون الإضافة هنا لأجل إحداث الرسول له أو لشيء منه لجاز أن نقول إنه قول البشر وهذا قول الوحيد الذي أصلاه الله سقر
فإن قال قائل فالوحيد جعل الجميع قول البشر ونحن نقول إن الكلام العربي قول البشر وأما معناه فهو كلام الله
فيقال لهم هذا نصف قول الوحيد ثم هذا باطل من وجوه أخرى
وهو أن معاني هذا النظم معان متعددة متنوعة وأنتم تجعلون ذلك المعنى واحدا هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار وتجعلون ذلك المعنى إذا عبر عنه بالعربية كان قرآنا وإذا عبر عنه بالعبرانية كان توراة وإذا عبر عنه بالسريانية كان إنجيلا وهذا مما يعلم بطلانه بالضرورة من العقل والدين فإن التوراة إذا عربناها لم يكن معناها معنى القرآن والقرآن إذا ترجمناه بالعبرانية لم يكن معناه معنى التوراة
وأيضا فإن معنى آية الكرسي ليس هو معنى آية الدين وإنما يشتركان في معنى الكلام ومسمى كلام الله كما تشترك الأعيان في مسمى النوع فهذا الكلام وهذا الكلام وهذا الكلام كله يشترك في أنه كلام الله اشتراك الأشخاص في أنواعها كما أن هذا الإنسان وهذا الإنسان وهذا الإنسان يشتركون في مسمى الإنسان وليس في الخارج خص بعينه هو هذا وهذا وهذا وكذلك ليس في الخارج كلام واحد هو معنى التوراة والإنجيل والقرآن وهو معنى آية الدين وآية الكرسي
ومن خالف هذا كان في مخالفته لصريح المعقول من جنس من قال إن أصوات العباد وأفعالهم قديمة أزلية فاضرب بكلام البدعتين رأس قائلهما والزم الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
وبسبب هاتين البدعتين الحمقاوين ثارت الفتن وعظمت الإحن وإن كان كل من أصحاب القولين قد يفسرونهما بما قد يلتبس على كثير من الناس كما فسر من قال إن الصوت المسموع من العبد أو بعضه قديم وأن القديم ظهر في المحدث من غير حلول فيه
وأما أفعال العباد فرأيت بعض المتأخرين يزعم أنها قديمة خيرها وشرها وفسر ذلك بأن الشرع قديم والقدر قديم وهي مشروعة مقدرة ولم يفرق بين الشرع الذي هو كلام الله والمشروع الذي هو المأمور به والمنهي عنه ولم يفرق بين القدر الذي هو علم الله وكلامه وبين المقدور الذي هو مخلوقاته والعقلاء كلهم يعلمون بالاضطرار أن الأمر والخبر نوعان للكلام لفظه ومعناه ليس الأمر والخبر صفات لموصوف واحد فمن جعل الأمر والنهي والخبر صفات للكلام لا أنواعا له فقد خالف ضرورة العقل وهؤلاء في هذا بمنزلة من زعم أن الوجود

__________


الصفحة التالية
Icon