فيه وهم لا يقولون مثل ذلك في المخلوق بل يمثلون العلم بنور السراج يقتبس منه المتعلم ولا ينقص ما عند العالم كما يقتبس المقتبس ضوء السراج فيحدث الله له ضوءا كما يقال أن الهوى ينقلب نارا بمجاورة الفتيلة للمصباح من غير أن تتغير تلك النار التي في المصباح والمقرىء والمعلم يقرىء القرآن ويعلم العلم ولم ينقص مما عنده شيء بل يصير عند المتعلم مثل ما عنده
ولهذا يقال فلان ينقل علم فلان وينقل كلامه ويقال العلم الذي كان عند فلان صار إلى فلان وأمثال ذلك كما يقال نقلت ما في الكتاب ونسخت ما في الكتاب أو نقلت الكتاب أو نسخته وهم لا يريدون أن نفس الحروف التي في الكتاب الأول عدمت منه وحلت في الثاني بل لما كان المقصود من نسخ الكتاب من الكتب ونقلها من جنس نقل العلم والكلام وذلك يحصل بأن يجعل في الثاني مثل ما في الأول فيبقى المقصود بالأول منقولا منسوخا وإن كان لم يتغير الأول بخلاف نقل الأجسام وتوابعها فإن ذلك إذا نقل من موضع إلى موضع زال عن الأول
وذلك لأن الأشياء لها وجود في أنفسها وهو وجودها العيني ولها ثبوتها في العلم ثم في اللفظ المطابق للعمل ثم في الخط وهذا الذي يقال وجود في الأعيان ووجود في الأذهان ووجود في اللسان ووجود في البنان وجود عيني ووجود علمي ولفظي ورسمي ولهذا افتتح الله كتابه بقوله تعالى ﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ﴾ فذكر الخلق عموما وخصوصا ثم ذكر التعليم عموما وخصوصا فالخط يطابق اللفظ واللفظ يطابق العلم والعلم هو المطابق للمعلوم
ومن هنا غلط من غلط فظن أن القرآن في المصحف كالأعيان في الورق فظن أن قوله ﴿ إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون ﴾ كقوله ﴿ الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ﴾ فجعل إثبات القرآن الذي هو كلام الله في المصاحف كإثبات الرسول في المصاحف وهذا غلط إثبات القرآن كإثبات اسم الرسول هذا كلام وهذا كلام وأما إثبات اسم الرسول فهذا كإثبات الأعمال أو كإثبات القرآن في زبر الأولين قال تعالى ﴿ وكل شيء فعلوه في الزبر ﴾ وقال تعالى ﴿ وإنه لفي زبر الأولين ﴾ فثبوت الأعمال في الزبر وثبوت القرآن في زبر الأولين هو مثل كون الرسول مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ولهذا قيد سبحانه هذا بلفظ الزبر والكتب زبر يقال زبرت الكتاب إذا كتبته والزبور بمعنى

__________


الصفحة التالية
Icon