من البيان والتعجيز ما لا يعلمه إلا الله وفيها من المواعظ والحكم والترغيب والترهيب ما لا يقدر قدره إلا الله
والمقصود هنا هو الكلام على قوله ﴿ أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ﴾ حيث سأل السائل عن تفسيرها وذكر ما في التفاسير من كثرة الاختلاف فيها وأن ذلك الاختلاف يزيد الطالب عمى عن معرفة المراد الذي يحصل به الهدى والرشاد فإن الله تعالى إنما نزل القرآن ليهتدي به لا ليختلف فيه والهدى إنما يكون إذا عرفت معانيه فإذا حصل الاختلاف المضاد لتلك المعاني التي لا يمكن الجمع بينه وبينها ولم يعرف الحق ولم تفهم الآية ومعناها ولم يحصل به الهدى والعلم الذي هو المراد بإنزال الكتاب
قال أبو عبدالرحمن السلمي حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن عثمان بن عثمان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي ﷺ عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل قالوا فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا
وقال الحسن البصري ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم في ماذا نزلت وماذا عنى بها وقد قال تعالى ﴿ أفلا يتدبرون القرآن ﴾ وتدبر الكلام إنما ينتفع به إذا فهم وقال ﴿ إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ﴾
فالرسل تبين للناس ما أنزل إليهم من ربهم وعليهم أن يبلغوا الناس البلاغ المبين والمطلوب من الناس أن يعقلوا ما بلغه الرسل والعقل يتضمن العلم والعمل فمن عرف الخير والشر فلم يتبع الخير ويحذر الشر لم يكن عاقلا ولهذا لا يعد عاقلا إلا من فعل ما ينفعه واجتنب ما يضره فالمجنون الذي لا يفرق بين هذا وهذا قد يلقي نفسه في المهالك وقد يفر مما ينفعه فصل
قال تعالى ﴿ خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ﴾ سورة هود ٧ وأخبر أنه ﴿ استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ﴾ سورة فصلت ١١
وقد ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي ﷺ أنه قال إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان