وما أخلق المحاج عن فرعون أن يكون بهذه المثابة فإن المرء مع من أحب ﴿ والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ﴾ وأيضا فقد قال الله تعالى ﴿ فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا ﴾ يقول هلا آمن قوم فنفعهم إيمانهم إلا قوم يونس
وقال تعالى ﴿ أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض ﴾ إلى قوله ﴿ سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ﴾ فأخبر عن الأمم المكذبين للرسل أنهم آمنوا عند رؤية البأس وأنه لم يك ينفعهم إيمانهم حينئذ وأن هذه سنة الله الخالية في عباده
وهذا مطابق لما ذكره الله في قوله لفرعون ﴿ آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ﴾ فإن هذا الخطاب هو استفهام إنكار أي الآن تؤمن وقد عصيت قبل فأنكر أن يكون هذا الإيمان نافعا أو مقبولا فمن قال إنه نافع مقبول فقد خالف نص القرآن وخالف سنة الله التي قد خلت في عباده
يبين ذلك أنه لو كان إيمانه حينئذ مقبولا لدفع عنه العذاب كما دفع عن قوم يونس فإنهم لما قبل إيمانهم متعوا إلى حين فإن الإغراق هو عذاب على كفره فإذا لم يكن كافرا لما يستحق عذابا
وقوله بعد هذا ﴿ فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية ﴾ يوجب أن يعتبر من خلفه ولو كان إنما مات مؤمنا لم يكن المؤمن مما يعتبر بإهلاكه وإغراقه وأيضا فإن النبي ﷺ لما أخبره ابن مسعود بقتل أبي جهل قال هذا فرعون هذه الأمة فضرب النبي ﷺ المثل في رأس الكفار المكذبين له برأس الكفار المكذبين لموسى
فهذا يبين أنه هو الغاية في الكفر فكيف يكون قد مات مؤمنا ومعلوم أن من مات مؤمنا لا يجوز أن يوسم بالكفر ولا يوصف لأن الإسلام يهدم ما كان قبله وفي مسند أحمد وإسحاق وصحيح أبي حاتم عن عوف بن مالك عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ في تارك الصلاة يأتي مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف