فمن زعم أن المشاهد لتوحيد الربوبية يدخل إلى مقام الجمع والفناء فلا يشهد فرقا فإنه غالط بل لا بد من الفرق فإنه أمر ضروري
لكن إذا خرج عن الفرق الشرعي بقي في الفرق الطبعي فيبقى متبعا لهواه لا مطيعا لمولاه
ولهذا لما وقعت هذه المسألة بين الجنيد وأصحابه ذكر لهم الفرق الثاني وهو أن يفرق بين المأمور والمحظور وبين ما يحبه الله وما يكرهه مع شهوده للقدر الجامع فيشهد الفرق في القدر الجامع ومن لم يفرق بين المأمور والمحظور خرج عن دين الإسلام
وهؤلاء الذين يتكلمون في الجمع لا يخرجون عن الفرق الشرعي بالكلية وإن خرجوا عنه كانوا كفارا من شر الكفار وهم الذين يخرجون إلى التسوية بين الرسل وغيرهم ثم يخرجون إلى القول بوحدة الوجود فلا يفرقون بين الخالق والمخلوق ولكن ليس كل هؤلاء ينتهون إلى هذا الإلحاد بل يفرقون من وجه دون وجه فيطيعون الله ورسوله تارة كالعصاة من أهل القبلة وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع
والمقصود هنا أن لفظ الدعوة والدعاء يتناول هذا وهذا قال الله تعالى ﴿ وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ﴾ وفي الحديث أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله رواه ابن ماجة وابن أبي الدنيا وقال النبي ﷺ في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره دعوة أخي ذي النون لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربته سماها دعوة لأنها تتضمن نوعي الدعاء فقوله لا إله إلا أنت اعتراف بتوحيد الإلهية وتوحيد الإلهية يتضمن احد نوعي الدعاء فإن الإله هو المستحق لأن يدعى دعاء عباده ودعاء مسألة وهو الله لا إله إلا هو
وقوله ﴿ إني كنت من الظالمين ﴾ اعتراف بالذنب وهو يتضمن طلب المغفرة فإن الطالب السائل تارة يسأل بصيغة الطلب وتارة يسأل بصيغة الخبر إما يوصف حاله وإما بوصف حال المسؤول وإما بوصف الحالين كقول نوح عليه السلام ﴿ رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ﴾ فهذا ليس صيغة طلب وإنما هو إخبار عن الله أنه إن لم يغفر له ويرحمه خسر
ولكن هذا الخبر يتضمن سؤال المغفرة وكذلك قول آدم عليه السلام ﴿ ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ﴾ هو من هذا الباب ومن ذلك قول

__________


الصفحة التالية
Icon