﴿ سبحانك ﴾ تبرئته من الظلم وإثبات العظمة الموجبة له براءته من الظلم فإن الظالم إنما يظلم لحاجته إلى الظلم أو لجهله والله غني عن كل شيء عليم بكل شيء وهو غني بنفسه وكل ما سواه فقير إليه وهذا كمال العظمة
وأيضا ففي هذا الدعاء للتهليل والتسبيح فقوله ﴿ لا إله إلا أنت ﴾ تهليل وقوله ﴿ سبحانك ﴾ تسبيح وقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال أفضل الكلام بعد القرآن أربع وهن من القرآن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
والتحميد مقرون بالتسبيح وتابع له والتكبير مقرون بالتهليل وتابع له وفي الصحيح عن النبي ﷺ أنه سئل أي الكلام أفضل قال ما اصطفى الله لملائكته سبحان الله وبحمده وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم وفي القرآن ﴿ فسبح بحمد ربك ﴾ وقالت الملائكة ﴿ ونحن نسبح بحمدك ﴾
وهاتان الكلمتان إحداهما مقرونة بالتحميد والأخرى بالتعظيم فإنا قد ذكرنا أن التسبيح فيه نفي السوء والنقائص المتضمن إثبات المحاسن والكمال والحمد إنما يكون على المحاسن وقرن بين الحمد والتعظيم كما قرن بين الجلال والإكرام إذ ليس كل معظم محبوبا محمودا ولا كل محبوب محمودا معظما وقد تقدم أن العبادة تتضمن كمال الحب المتضمن معنى الحمد وتتضمن كمال الذل المتضمن معنى التعظيم ففي العبادة حبه وحمده على المحاسن وفيها الذل له الناشىء عن عظمته وكبريائه ففي إجلاله وإكرامه وهو سبحانه المستحق للجلال والإكرام فهو مستحق غاية الإجلال وغاية الإكرام
ومن الناس من يحسب أن الجلال هو الصفات السلبية والإكرام الصفات الثبوتية كما ذكر ذلك الرازي ونحوه والتحقيق أن كليهما صفات ثبوتية وإثبات الكمال يستلزم نفي النقائص لكن ذكر نوعي الثبوت وهو ما يستحق أن يعظم كقوله ﴿ إن الله هو الغني الحميد ﴾ وكذلك قوله ﴿ له الملك وله الحمد ﴾ فإن كثيرا ممن يكون له الملك والغنى لا يكون محمودا بل مذموما إذ الحمد يتضمن الإخبار عن المحمود بمحاسنه المحبوبة فيتضمن إخبارا بمحاسن المحبوب محبة له
وكثير ممن له نصيب من الحمد والمحبة يكون فيه عجز وضعف وذل ينافي العظمة والغنى والملك فالأول يهاب ويخاف ولا يحب وهذا يحب ويحمد ولا يهاب ولا يخاف والكمال اجتماع الوصفين كما ورد في الأثر أن المؤمن رزق حلاوة ومهابة وفي نعت النبي ﷺ كان من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه

__________


الصفحة التالية
Icon