عليه أن يعترف بظلم نفسه فهو كاذب ولهذا كان سادات الخلائق لا يفضلون أنفسهم على يونس في هذا المقام بل يقولون كما قال أبوهم آدم وخاتمهم محمد ﷺ فصل
في بطلان الاحتجاج بقوله تعالى ﴿ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ﴾
سئل شيخ الإسلام حسنة الأيام أحد المجتهدين قامع المبتدعين تقي الدين أحمد بن عبد السلام ابن تيمية الحراني ثم الدمشقي رضي الله عنه عن قوم يحتجون بالقدر ويقولون قد قضي الأمر من الذر فالسعيد سعيد والشقي شقي من الذر ويحتجون بقوله تعالى ﴿ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ﴾ ويقولون ما لنا في جميع الأفعال قدرة وإنما القدرة لله تعالى قدر الخير والشر وكتبه علينا والمراد بيان خطأ هؤلاء بالأدلة القاطعة ويقولون من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ويحتجون بالحديث الذي فيه قوله ﷺ وإن زنا وإن سرق وبغير ذلك فما الجواب عن هذا جميعه أفتونا مأجورين
فأجاب نفعنا الله بعلومه الحمد لله رب العالمين هؤلاء القوم إذا صبروا على هذا الاعتقاد كانوا أكفر من اليهود والنصارى فإن النصارى واليهود يؤمنون بالأمر والنهي والوعد والوعيد والثواب والعقاب لكن حرفوا وبدلوا وآمنوا ببعض وكفروا ببعض كما قال تعالى ﴿ إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما ﴾ فإذا كان من آمن ببعض وكفر ببعض فهو كافر حقا فكيف بمن كفر بالجميع ومن لم يقر بأمر الله ونهيه ووعده ووعيده بل ترك ذلك محتجا بالقدر فهو أكفر ممن آمن ببعض وكفر ببعض وقول هؤلاء يظهر بطلانه من وجوه
أحدها أن الواحد من هؤلاء إما أن يرى القدر حجة للعبد وإما أن لا يراه حجة للعبد فإن كان القدر حجة للعبد فهو حجة لجميع الناس فإنهم كلهم مشتركون في القدر

__________


الصفحة التالية
Icon