الذي يكذبك فيما تخبربه من الجزاء والبعث وهو الدين بعد هذه العبرة التي يوجب النظر فيها صحة ما قلت
قال ويحتمل أن يكون على هذا التأويل جميع شرعه ودينه
( قلت ) وعلى أن المخاطب محمد ﷺ في المعنى قولان أحدهما قول قتادة قال ﴿ فما يكذبك بعد بالدين ﴾ أي استيقن فقد جاءك البيان من الله وهكذا رواه عنه ابن أبي حاتم باسناد ثابت
وكذلك ذكره المهدوي ﴿ فما يكذبك بعد بالدين ﴾ أي استيقن مع ما جاءك من الله أنه أحكم الحاكمين فالخطاب للنبي ﷺ وقال معناه عن قتادة قال وقيل المعنى فما يكذبك أيها الشاك يعني الكفار في قدرة الله أي شيء يحملك على ذلك بعد ما تبين لك من قدرته قال وقال الفراء فمن يكذبك بالثواب والعقاب وهو اختيار الطبري
( قلت ) هذا القول المنقول عن قتادة هو الذي أوجب نفور مجاهد عن أن يكون الخطاب للنبي ﷺ كما روى الناس ومنهم ابن أبي حاتم عن الثوري عن منصور قال قلت لمجاهد ﴿ فما يكذبك بعد بالدين ﴾ عنى به النبي ﷺ قال معاذ الله عني به الانسان
وقد أحسن مجاهد في تنزيه النبي ﷺ أن يقال له ﴿ فما يكذبك ﴾ أي استيقن ولا تكذب فإنه لو قيل له لا تكذب لكان هذا من جنس أمره بالايمان والتقوى ونهيه عما نهى الله عنه وأما إذا قيل ﴿ فما يكذبك بعد بالدين ﴾ فهو لم يكذب بالدين بل هو الذي أخبر بالدين وصدق به لهو ﴿ والذي جاء بالصدق وصدق به ﴾ الزمر ٣٩ ٣٣ فكيف يقال له ﴿ فما يكذبك بعد بالدين ﴾ فهذا القول فاسد لفظا ومعنى
واللفظ الذي رأيته مقولا بالاسناد عن قتادة ليس صريحا فيه بل يحتمل أن يكون أراد به خطاب الانسان فإنه قال ﴿ فما يكذبك بعد بالدين ﴾ قال استيقن فقد جاءك البيان وكل انسان مخاطب بهذا فإن كان قتادة أراد هذا فالمعنى صحيح
لكن هم حكوا عنه أن هذا خطاب للرسول ﷺ وعلى هذا فهذا المعنى باطل فلا يقال للرسول فأي شيء يجعلك مكذبا بالدين وان ارتأت به النفس لأن هذا فيه دلائل تدل على فساده ولهذا استعاذ منه مجاهد
والصواب ما قاله الفراء والأخفش وغيرهما وهو الذي اختاره أبو جعفر محمد ابن جرير الطبري وغيره من العلماء كما تقدم