وأما قوله في أول الآية ﴿ لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ﴾ فهو كما أخبر سبحانه وتعالى فإن عداوة المشركين واليهود للمؤمنين أشد من عداوة النصارى والنصارى أقرب مودة لهم وهذا معروف من أخلاق اليهود فإن اليهود فيهم من البغض والحسد والعداوة ما ليس في النصارى
وفي النصارى من الرحمة والمودة ما ليس في اليهود والعداوة أصلها البغض فاليهود كانوا يبغضون أنبياءهم فكيف ببغضهم للمؤمنين
واما النصارى فليس في الدين الذي يدينون به عداوة ولا بغض لأعداء الله الذين حاربوا الله ورسوله وسعوا في الأرض فسادا فكيف بعداوتهم وبغضهم للمؤمنين المعتدلين أهل ملة إبراهيم المؤمنين بجميع الكتب والرسل
وليس في هذا مدح للنصارى بالإيمان بالله ولا وعد لهم بالنجاة من العذاب واستحقاق الثواب وإنما فيه أنهم أقرب مودة وقوله تعالى ﴿ ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون ﴾ أي بسبب هؤلاء وسبب ترك الاستكبار يصير فيهم من المودة ما يصيرهم بذلك خيرا من المشركين وأقرب مودة من اليهود والمشركين
ثم قال تعالى ﴿ وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ﴾ فهؤلاء الذين مدحهم بالإيمان ووعدهم بثواب الآخرة والضمير وإن عاد إلى المتقدمين فالمراد به جنس المتقدمين لا كل واحد منهم كقوله تعالى ﴿ الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾
وكان جنس الناس قالوا لهم إن جنس الناس قد جمعوا ويمتنع العموم فإن القائل من الناس والمقول له عنه من الناس والمقول عنه من الناس ويمتنع أن يكون جميع الناس قال لجميع الناس إنه قد جمع لكم جميع الناس
ومثل هذا قوله تعالى ﴿ وقالت اليهود عزير ابن الله ﴾ أي جنس اليهود قال هذا لم يقل هذا كل يهودي ومن هذا أن في النصارى من رقة القلوب التي توجب لهم الإيمان ما ليس في اليهود وهذا حق وأما قولهم ونفى عنا اسم الشرك فلا ريب أن الله فرق بين المشركين وأهل الكتاب في عدة مواضع ووصف من أشرك منهم في بعض المواضع بل قد ميز بين الصابئين والمجوس وبين المشركين في عدة مواضع وكلا الأمرين حق فالأول كقوله