﴿ إني متوفيك ورافعك إلي ﴾ فالمتوفى هو المرفوع إلى الله وقولهم إن المرفوع هو اللاهوت مخالف لنص القرآن ولو كان هناك موت فكيف إذا لم يكن فإنهم جعلوا المرفوع غير المتوفى والقرآن أخبر أن المرفوع هو المتوفى
وكذلك قوله في الآية الأخرى ﴿ وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه ﴾ هو تكذيب لليهود في قولهم ﴿ إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ﴾ واليهود لم يدعوا قتل لاهوت ولا أثبتوا لله لاهوتا في المسيح والله تعالى لم يذكر دعوى قتله عن النصارى حتى يقال إن مقصودهم قتل الناسوت دون اللاهوت بل عن اليهود الذين لا يثبتون إلا الناسوت
وقد زعموا أنهم قتلوه فقال تعالى ﴿ وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه ﴾ فأثبت رفع الذي قالوا إنهم قتلوه وإنما هو الناسوت فعلم أنه هو الذي نفي عنه القتل وهو الذي رفع والنصارى معترفون برفع الناسوت لكن يزعمون أنه صلب وأقام في القبر إما يوما وإما ثلاثة أيام ثم صعد إلى السماء وقعد عن يمين الأب الناسوت مع اللاهوت
وقوله تعالى ﴿ وما قتلوه يقينا ﴾ معناه أن نفي قتله هو يقين لا ريب فيه بخلاف الذين اختلفوا بأنهم في شك منه من قتله وغير قتله فليسوا مستيقنين أنه قتل إذ لا حجة معه بذلك
ولذلك كانت طائفة من النصارى يقولون إنه لم يصلب فإن الذين صلبوا المصلوب هم اليهود وكان قد اشتبه عليهم المسيح بغيره كما دل عليه القرآن وكذلك عند أهل الكتاب أنه اشتبه بغيره فلم يعرفوا من هو المسيح من أولئك حتى قال لهم بعض الناس أنا أعرفه فعرفوه وقول من قالوا معنى الكلام ما قتلوه علما بل ظنا قول ضعيف
الوجه الرابع أنه قال تعالى ﴿ إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ﴾ فلو كان المرفوع هو اللاهوت لكان رب العالمين قال لنفسه أو لكلمته ﴿ ورافعك إلي ﴾ وكذلك قوله ﴿ بل رفعه الله إليه ﴾ فالمسيح عندهم هو الله
ومن المعلوم أنه يمتنع رفع نفسه إلى نفسه وإذا قالوا هو الكلمة فهم مع ذلك أنه الإله الخالق لا يجعلونه بمنزلة التوراة والقرآن ونحوهما مما هو كلام الله الذي قال فيه ﴿ إليه يصعد الكلم الطيب ﴾ بل عندهم هو الله الخالق الرازق رب العالمين ورفع رب العالمين إلى رب العالمين ممتنع
الوجه الخامس قوله ﴿ وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ﴾ دليل على أنه بعد توفيته لم يكن الرقيب عليهم إلا الله دون المسيح فإن قوله كنت أنت يدل على الحصر كقوله إن كان هذا هو الحق ونحو ذلك فعلم أن المسيح بعد