المحرر الوجيز، ج ١، ص : ١١٢
اسم «و ذا» اسم آخر بمعنى الذي، ف «ما» في موضع رفع بالابتداء، و«ذا» خبره، ومعنى كلامهم هذا الإنكار بلفظ الاستفهام.
وقوله : مَثَلًا نصب على التمييز، وقيل على الحال من «ذا» في بِهذا، والعامل فيه الإشارة والتنبيه.
واختلف المتأولون في قوله تعالى : يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً فقيل هو من قول الكافرين، أي ما مراد اللّه بهذا المثل الذي يفرق به الناس إلى ضلالة وإلى هدى؟ وقيل بل هو خبر من اللّه تعالى أنه يضل بالمثل الكفار الذين يعمون به، ويهدي به المؤمنين الذين يعلمون أنه الحق. وفي هذا رد على المعتزلة في قولهم :«إن اللّه لا يخلق الضلال» ولا خلاف أن قوله تعالى : وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ من قول اللّه تعالى.
قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن يكون قوله تعالى : وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً إلى آخر الآية ردا من اللّه تعالى على قول الكفار يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً والفسق الخروج عن الشيء. يقال فسقت الفارة إذا خرجت من جحرها، والرطبة إذا خرجت من قشرها، والفسق في عرف الاستعمال الشرعي الخروج من طاعة اللّه عز وجل، فقد يقع على من خرج بكفر وعلى من خرج بعصيان، وقراءة جمهور الأمة في هذه الآية :«يضل» بضم الياء فيهما.
وروي عن إبراهيم بن أبي عبلة أنه قرأ «يضل» بفتح الياء، «كثير» بالرفع «و يهدي به كثير. وما يضل به إلا الفاسقون» بالرفع.
قال أبو عمرو الداني :«هذه قراءة القدرية وابن أبي عبلة من ثقات الشاميين ومن أهل السنة، ولا تصح هذه القراءة عنه، مع أنها مخالفة خط المصحف».
وروي عن ابن مسعود أنه قرأ في الأولى :«يضل» بضم الياء وفي الثانية «و ما يضل» بفتح الياء «به إلا الفاسقون».
قال القاضي أبو محمد : وهذه قراءة متجهة لو لا مخالفتها خط المصحف المجمع عليه.
قوله عز وجل :
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٧ الى ٢٩]
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٢٧) كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)
النقض رد ما أبرم على أوله غير مبرم، والعهد في هذه الآية التقدم في الشيء والوصاة به.


الصفحة التالية
Icon