المحرر الوجيز، ج ١، ص : ١٢٤
وقرأ أبو جعفر بن القعقاع :«للملائكة اسجدوا» برفع تاء للملائكة اتباعا لضمة ثالث المستقبل.
قال أبو علي :«و هذا خطأ».
وقال الزجاج :«أبو جعفر من رؤساء القراءة ولكنه غلط في هذا».
قال أبو الفتح : لأن الملائكة في موضع جر فالتاء مكسورة كسرة إعراب، وهذا الذي ذهب إليه أبو جعفر إنما يجوز إذا كان ما قبل الهمزة حرفا ساكنا صحيحا، نحو قوله تعالى : وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ [يوسف : ٣١] والسجود في كلام العرب الخضوع والتذلل، ومنه قول الشاعر [زيد الخيل ] :[الطويل ]
ترى الأكم فيه سجّدا للحوافر
وغايته وضع الوجه بالأرض، والجمهور على أن سجود الملائكة لآدم إيماء وخضوع، ذكره النقاش وغيره، ولا تدفع الآية أن يكونوا بلغوا غاية السجود.
وقوله تعالى : فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ [الحجر : ٢٩] لا دليل فيه لأن الجاثي على ركبتيه واقع.
واختلف في حال السجود لآدم، فقال ابن عباس :«تعبدهم اللّه بالسجود لآدم، والعبادة في ذلك للّه».
وقال علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس :«إنما كان سجود تحية كسجود أبوي يوسف عليه السلام، لا سجود عبادة».
وقال الشعبي :«إنما كان آدم كالقبلة، ومعنى لآدم إلى آدم».
قال القاضي أبو محمد رحمه اللّه : وفي هذه الوجوه كلها كرامة لآدم عليه السلام.
وحكى النقاش عن مقاتل :«أن اللّه إنما أمر الملائكة بالسجود لآدم قبل أن يخلقه».
قال :«و القرآن يرد على هذا القول».
وقال قوم : سجود الملائكة كان مرتين، والإجماع يرد هذا.
وقوله تعالى : إِلَّا إِبْلِيسَ نصب على الاستثناء المتصل، لأنه من الملائكة على قول الجمهور، وهو ظاهر الآية، وكان خازنا وملكا على سماء الدنيا والأرض، واسمه عزازيل، قاله ابن عباس.
وقال ابن زيد والحسن :«هو أبو الجن كما أن آدم أبو البشر، ولم يكن قط ملكا».
وقد روي نحوه عن ابن عباس أيضا، قال :«و اسمه الحارث».
وقال شهر بن حوشب : كان من الجن الذين كانوا في الأرض وقاتلتهم الملائكة فسبوه صغيرا، وتعبد وخوطب معها، وحكاه الطبري عن ابن مسعود. والاستثناء على هذه الأقوال منقطع، واحتج بعض أصحاب هذا القول بأن اللّه تعالى قال صفة للملائكة :«لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ».
ورجح الطبري قول من قال :«إن إبليس كان من الملائكة». وقال :«ليس في خلقه من نار ولا في


الصفحة التالية
Icon