المحرر الوجيز، ج ١، ص : ١٢٩
وقالت طائفة : إن إبليس لم يدخل الجنة إلى آدم بعد أن أخرج منها، وإنما أغوى آدم بشيطانه وسلطانه ووساوسه التي أعطاه اللّه تعالى، كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم :«إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم». والضمير في عَنْها عائد على الشَّجَرَةَ في قراءة من قرأ «أزلهما»، ويحتمل أن يعود على الْجَنَّةَ فأما من قرأ أزالهما فإنه يعود على الْجَنَّةَ فقط، وهنا محذوف يدل عليه الظاهر، تقديره فأكلا من الشجرة.
وقال قوم :«أكلا من غير التي أشير إليها فلم يتأولا النهي واقعا على جميع جنسها».
وقال آخرون :«تأولا النهي على الندب».
وقال ابن المسيب :«إنما أكل آدم بعد أن سقته حواء الخمر فكان في غير عقله».
وقوله تعالى : فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ يحتمل وجوها، فقيل أخرجهما من الطاعة إلى المعصية.
وقيل : من نعمة الجنة إلى شقاء الدنيا. وقيل : من رفعة المنزلة إلى سفل مكانة الذنب.
قال القاضي أبو محمد : وهذا كله يتقارب.
وقرأ أبو حيوة :«اهبطوا» بضم الباء. «و يفعل» كثير في غير المتعدي وهبط غير متعدّ. والهبوط النزول من علو إلى أسفل.
واختلف من المخاطب بالهبوط، فقال السدي وغيره :«آدم وحواء وإبليس والحية».
وقال الحسن :«آدم وحواء والوسوسة».
قال غيره :«و الحية لأن إبليس قد كان أهبط قبل عند معصيته».
وبَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ جملة في موضع الحال، وإفراد لفظ عَدُوٌّ من حيث لفظ بعض، وبعض وكل تجري مجرى الواحد، ومن حيث لفظة عَدُوٌّ تقع للواحد والجمع، قال اللّه تعالى : هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ [المنافقون : ٤] وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ أي موضع استقرار قاله أبو العالية وابن زيد.
وقال السدي :«المراد الاستقرار في القبور، والمتاع ما يستمتع به من أكل ولبس وحياة، وحديث، وأنس، وغير ذلك». وأنشد سليمان بن عبد الملك حين وقف على قبر ابنه أيوب إثر دفنه :[الطويل ]
وقفت على قبر غريب بقفرة متاع قليل من حبيب مفارق
واختلف المتأولون في الحين هاهنا فقالت فرقة : إلى الموت، وهذا قول من يقول المستقر هو المقام في الدنيا، وقالت فرقة : إِلى حِينٍ إلى يوم القيامة، وهذا قول من يقول : المستقر هو في القبور. ويترتب أيضا على أن المستقر في الدنيا أن يراد بقوله : وَلَكُمْ، أي لأنواعكم في الدنيا استقرار ومتاع قرنا بعد قرن إلى يوم القيامة، والحين المدة الطويلة من الدهر، أقصرها في الأيمان والالتزامات سنة.
قال اللّه تعالى : تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها [إبراهيم : ٢٥] وقد قيل : أقصرها ستة أشهر، لأن من النخل ما يثمر في كل ستة أشهر، وقد يستعمل الحين في المحاورات في القليل من الزمن.


الصفحة التالية
Icon