المحرر الوجيز، ج ١، ص : ١٣١
صادرة عن كلمات، وهي كن في كل واحدة منهن، وهذا قول يقتضي أن آدم لم يقل شيئا إلا الاستغفار المعهود.
وسئل بعض سلف المسلمين عما ينبغي أن يقوله المذنب، فقال : يقول ما قال أبواه، رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا. وما قال موسى : رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي. [القصص : ١٦]. وما قال يونس : لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. [الأنبياء : ٨٧].
و«تاب عليه» معناه رجع به، والتوبة من اللّه تعالى الرجوع على عبده بالرحمة والتوفيق، والتوبة من العبد الرجوع عن المعصية والندم على الذنب مع تركه فيما يستأنف وإنما خص اللّه تعالى آدم بالذكر هنا في التلقي والتوبة، وحواء مشاركة له في ذلك بإجماع لأنه المخاطب في أول القصة بقوله : اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فلذلك كملت القصة بذكره وحده، وأيضا فلأن المرأة حرمة ومستورة فأراد اللّه الستر لها، ولذلك لم يذكرها في المعصية في قوله : وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى [طه : ١٢١].
وروي أن اللّه تعالى تاب على آدم في يوم عاشوراء.
وكنية آدم أبو محمد، وقيل أبو البشر.
وقرأ الجمهور :«إنه» بكسر الألف على القطع.
وقرأ ابن أبي عقرب :«أنه» بفتح الهمزة على معنى لأنه، وبنية التَّوَّابُ للمبالغة والتكثير، وفي قوله تعالى : إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ تأكيد فائدته أن التوبة على العبد إنما هي نعمة من اللّه، لا من العبد وحده لئلا يعجب التائب، بل الواجب عليه شكر اللّه تعالى في توبته عليه، وكرر الأمر بالهبوط لما علق بكل أمر منهما حكما غير حكم الآخر، فعلق بالأول العداوة، وعلق بالثاني إتيان الهدى. وقيل : كرر الأمر بالهبوط على جهة تغليظ الأمر وتأكيده، كما تقول لرجل قم قم.
وحكى النقاش : أن الهبوط الثاني إنما هو من الجنة إلى السماء، والأول في ترتيب الآية إنما هو إلى الأرض، وهو الآخر في الوقوع، فليس في الأمر تكرار على هذا، وجَمِيعاً حال من الضمير في اهْبِطُوا، وليس بمصدر ولا اسم فاعل، ولكنه عوض منهما دال عليهما، كأنه قال هبوطا جميعا، أو هابطين جميعا، واختلف في المقصود بهذا الخطاب، فقيل آدم وحواء وإبليس وذريتهم، وقيل ظاهره العموم ومعناه الخصوص في آدم وحواء، لأن إبليس لا يأتيه هدى، وخوطبا بلفظ الجمع تشريفا لهما، والأول أصح لأن إبليس مخاطب بالإيمان بإجماع، و«إن» في قوله فَإِمَّا هي للشرط دخلت ما عليها مؤكدة ليصح دخول النون المشددة، فهي بمثابة لام القسم التي تجيء لتجيء النون، وفي قوله تعالى : مِنِّي إشارة إلى أن أفعال العباد خلق اللّه تعالى. واختلف في معنى قوله هُدىً، فقيل : بيان وإرشاد.
قال القاضي أبو محمد رحمه اللّه : والصواب أن يقال : بيان ودعاء.
وقالت فرقة : الهدى الرسل، وهي إلى آدم من الملائكة وإلى بنيه من البشر : هو فمن بعده.
وقوله تعالى : فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ شرط جوابه فلا خوف عليهم.