المحرر الوجيز، ج ١، ص : ١٣٥
دينهم بالأجرة، فنهوا عن ذلك وفي كتبهم : علم مجانا كما علمت مجانا أي باطلا بغير أجرة.
وقال قوم : كانت للأحبار مأكلة يأكلونها على العلم كالراتب فنهوا عن ذلك.
وقال قوم : إن الأحبار أخذوا رشى على تغيير قصة محمد عليه السلام في التوراة، ففي ذلك قال تعالى : وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا [البقرة : ٤١، المائدة : ٤٤].
وقال قوم : معنى الآية ولا تشتروا بأوامري ونواهيّ وآياتي ثمنا قليلا، يعني الدنيا ومدتها والعيش الذي هو نزر لا خطر له، وقد تقدم نظير قوله وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ وبين «اتقون» و«ارهبون» فرق، ان الرهبة مقرون بها وعيد بالغ.
قوله عز وجل :
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٤٢ الى ٤٦]
وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٤٤) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (٤٥) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (٤٦)
المعنى ولا تخلطوا، يقال «لبست الأمر» بفتح الباء ألبسه، إذا خلطته ومزجت بينه بمشكله وحقه بباطله.
وأما قول الشاعر :
وكتيبة لبّستها بكتيبة فالظاهر أنه من هذا المعنى، ويحتمل أن يكون المعنى من اللباس، واختلف أهل التأويل في المراد بقوله : الْحَقَّ بِالْباطِلِ.
فقال أبو العالية :«قالت اليهود : محمد نبي مبعوث، لكن إلى غيرنا، فإقرارهم ببعثه حق وجحدهم أنه بعث إليهم باطل».
وقال الطبري :«كان من اليهود منافقون فما أظهروا من الإيمان حق، وما أبطنوا من الكفر باطل».
وقال مجاهد :«معناه لا تخلطوا اليهودية والنصرانية بالإسلام».
وقال ابن زيد : المراد ب الْحَقَّ التوراة، و«الباطل» ما بدلوا فيها من ذكر محمد عليه السلام، وتَلْبِسُوا جزم بالنهي، وَتَكْتُمُوا عطف عليه في موضع جزم، ويجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار «أن»، وإذا قدرت «أن» كانت مع تَكْتُمُوا بتأويل المصدر، وكانت الواو عاطفة على مصدر مقدر من تَلْبِسُوا، كأن الكلام ولا يكن لبسكم الحق بالباطل وكتمانكم الحق.
وقال الكوفيون : تَكْتُمُوا نصب بواو الصرف، والْحَقَّ يعني به أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم».