المحرر الوجيز، ج ١، ص : ١٤٣
وقال بعض البصريين : وعده رأس الأربعين ليلة.
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف : وقوله تعالى : ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ. قرأ أكثر السبعة بالإدغام.
وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص عنه بإظهار الذال وثُمَّ للمهلة، ولتدل على أن الاتخاذ بعد المواعدة، واتخذ وزنه افتعل من الأخذ.
قال أبو علي :«هو من تخذ لا من أخذ» وأنشد [المخرق العبدي ] :[الطويل ]
وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها نسيفا كأفحوص القطاة المطرق
ونصب الْعِجْلَ ب اتَّخَذْتُمُ، والمفعول الثاني محذوف، تقديره اتخذتم العجل إلها، واتخذ قد يتعدى إلى مفعول واحد، كقوله تعالى : يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا [الفرقان : ٢٧] وقد يتعدى إلى مفعولين أحدهما هو الآخر في المعنى كقوله تعالى : اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً [المجادلة : ١٦، المنافقون : ٢]، وكهذه الآية وغيرها. والضمير في بَعْدِهِ يعود على موسى.
وقيل : على انطلاقه للتكليم، إذ المواعدة تقتضيه.
وقيل : على الوعد، وقصص هذه الآية أن موسى صلى اللّه عليه وسلم لما خرج ببني إسرائيل من مصر، قال لهم : إن اللّه تعالى سينجيكم من آل فرعون وينفلكم حليهم ومتاعهم الذي كان أمرهم باستعارته، وروي أنهم استعاروه برأيهم، فنفلهم اللّه ذلك بعد خروجهم، وقال لهم موسى عن اللّه تعالى :
إنه ينزل عليّ كتابا فيه التحليل والتحريم والهدى لكم، فلما جازوا البحر طالبوا موسى بما قال لهم من أمر الكتاب، فخرج لميعاد ربه وحده، وقد أعلمهم بالأربعين ليلة، فعدوا عشرين يوما بعشرين ليلة، ثم قالوا هذه أربعون من الدهر، وقد أخلفنا الموعد، وبدا تعنتهم وخلافهم.
وكان السامري رجلا من بني إسرائيل يسمى موسى بن ظفر، وقيل لم يكن من بني إسرائيل بل كان غريبا فيهم، وكان قد عرف جبريل عليه السلام وقت عبرهم البحر، فقالت طائفة : أنكر هيئته فعرف أنه ملك.
وقال طائفة : كانت أم السامري ولدته عام الذبح فجعلته في غار وأطبقت عليه، فكان جبريل صلى اللّه عليه وسلم يغذوه بأصابع نفسه فيجد في إصبع لبنا، وفي إصبع عسلا، وفي إصبع سمنا، فلما رآه وقت جواز البحر عرفه، فأخذ من تحت حافر فرسه قبضة تراب، وألقي في روعه أنه لن يلقيها على شيء ويقول له كن كذا إلا كان، فلما خرج موسى لميعاده قال هارون لبني إسرائيل : إن ذلك الحلي والمتاع الذي استعرتم من القبط لا يحل لكم، فجيئوا به حتى تأكله النار التي كانت العادة أن تنزل على القرابين.
وقيل : بل أوقد لهم نارا وأمرهم بطرح جميع ذلك فيها، فجعلوا يطرحون.
وقيل : بل أمرهم أن يضعوه في حفرة دون نار حتى يجيء موسى، وجاء السامري فطرح القبضة، وقال كن عجلا.


الصفحة التالية
Icon