المحرر الوجيز، ج ١، ص : ١٥
هو : أعلم الناس بالفرائض - قال النبي صلى اللّه عليه وسلم لأصحابه :«أفرض أمتي زيد بن ثابت» «١».
وقال سليمان بن يسار «٢» :
«ما كان عمر ولا عثمان يقدمان على زيد بن ثابت أحدا في القضاء، والفتوى، والفرائض، والقراءة».
عبد اللّه بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن :
هو أكثر الصحابة تفسيرا للقرآن، سماه ابن مسعود : ترجمان القرآن، وكان يقول : نعم ترجمان القرآن ابن عباس.
تردد ابن عباس كثيرا على بيت النبوة، إذ فيه خالته «ميمونة» زوج الرسول صلى اللّه عليه وسلم.
فكانت تؤنسه وتلاطفه، وكان صلى اللّه عليه وسلم ينظر إليه نظرة إعجاب، وتوسم فيه الخير الكثير، ودعا له بقوله : اللهم آته الحكمة.
ودعا له صلى اللّه عليه وسلم قائلا : اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل.
ورآه جبريل عند الرسول صلى اللّه عليه وسلم فأوصاه به وقال : إنه كائن حبر هذه الأمة فاستوص به خيرا وقد نهل من مأدبة الرسول العلمية والخلقية فهو الذي قال له صلى اللّه عليه وسلم :
يا غلام :«إني أعلمك كلمات، احفظ اللّه يحفظك، احفظ اللّه تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل اللّه، وإذا استعنت فاستعن باللّه، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه اللّه لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه اللّه عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف» «٣».
ولما توفي الرسول صلى اللّه عليه وسلم واصل ابن عباس رحلة العلم، فتتلمذ على كبار الصحابة، فكان كثيرا ما يجلس على باب أحدهم وهو قائل - أي وقت القيلولة - فيتوسد رداءه، وتسفي عليه الريح التراب، حتى يخرج الصحابي فيراه فيقول له :
يا ابن عم رسول اللّه : ما جاء بك؟ ألا أرسلت إليّ فآتيك؟
فيجيب حبر الأمة : لا، أنا أحق أن آتيك، ثم يسأله عما يحتاج إليه من العلم.
وفي خلافة عمر بن الخطاب ظهر نبوغه الشديد فكان عمر يدنيه من مجلسه، ويعده للمعضلات، وإذا أشكلت عليه قضية دعاه، فقال له : أنت لها ولأمثالها، ثم يأخذ بقوله، ولا يدعو لذلك أحدا «٤».
وأحب عمر فيه - مع علمه - جرأته رغم حداثة سنه. قال عمر يوما لأصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم : فيمن ترون نزلت هذه الآية أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ... الآية؟ قالوا :
اللّه أعلم. فغضب عمر وقال : قولوا : نعلم أو لا نعلم.
________
(١) الاستيعاب ٢/ ٢٣، صفة الصفوة ١/ ٢٩٥.
(٢) تاريخ الإسلام للذهبي ٢/ ٢٢٥.
(٣) رواه الإمام أحمد والترمذي.
(٤) أسد الغابة ٣/ ١٩٣.


الصفحة التالية
Icon