المحرر الوجيز، ج ١، ص : ١٥٩
الجبل خوفا، فلما رحمهم اللّه قالوا لا سجدة أفضل من سجدة تقبلها اللّه ورحم بها، فأمروا سجودهم على شق واحد.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه اللّه : والذي لا يصح سواه أن اللّه تعالى اخترع وقت سجودهم الإيمان في قلوبهم، لأنهم آمنوا كرها وقلوبهم غير مطمئنة، وقد اختصرت ما سرد في قصص هذه الآية، وقصدت أصحه الذي تقتضيه ألفاظ الآية، وخلط بعض الناس صعقة هذه القصة بصعقة السبعين.
وقوله تعالى : خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ في الكلام حذف تقديره : وقلنا خذوا، وآتَيْناكُمْ معناه أعطيناكم، وبِقُوَّةٍ : قال ابن عباس : معناه بجد واجتهاد، وقيل : بكثرة درس، وقال ابن زيد : معناه بتصديق وتحقيق، وقال الربيع. معناه بطاعة اللّه.
وَاذْكُرُوا ما فِيهِ أي تدبروه واحفظوا أوامره ووعيده، ولا تنسوه وتضيعوه، والضمير عائد على ما آتَيْناكُمْ ويعني التوراة، وتقدير صلة ما : واذكروا ما استقر فيه، ولَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ترج في حق البشر.
وقوله تعالى : ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ الآية. تولّى تفعّل، وأصله الإعراض والإدبار عن الشيء بالجسم، ثم استعمل في الإعراض عن الأمور والأديان والمعتقدات اتساعا ومجازا، وفَضْلُ اللَّهِ رفع بالابتداء، والخبر مضمر عند سيبويه لا يجوز إظهاره للاستغناء عنه، تقديره فلو لا فضل اللّه عليكم تدارككم، وَرَحْمَتُهُ عطف على فضل، قال قتادة : فضل اللّه الإسلام، ورحمته القرآن. قال القاضي أبو محمد رحمه اللّه : وهذا على أن المخاطب بقوله : عَلَيْكُمْ لفظا ومعنى من كان في مدة محمد صلى اللّه عليه وسلم، والجمهور على أن المراد بالمعنى من سلف، ولَكُنْتُمْ جواب «لو لا»، ومِنَ الْخاسِرِينَ خبر «كان». والخسران النقصان، وتوليهم من بعد ذلك : إما بالمعاصي، فكان فضل اللّه بالتوبة والإمهال إليها، وإما أن يكون توليهم بالكفر فكان فضل اللّه بأن لم يعاجلهم بالإهلاك ليكون من ذريتهم من يؤمن، أو يكون المراد من لحق محمدا صلى اللّه عليه وسلم، وقد قال ذلك قوم، وعليه يتجه قول قتادة : إن الفضل الإسلام، والرحمة القرآن، ويتجه أيضا أن يراد بالفضل والرحمة إدراكهم مدة محمد صلى اللّه عليه وسلم.
قوله عز وجل :
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٦٥ الى ٦٧]
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٦٧)
عَلِمْتُمُ معناه : عرفتم، كما تقول : علمت زيدا بمعنى عرفته، فلا يتعدى العلم إلا إلى مفعول واحد، واعْتَدَوْا معناه تجاوزوا الحد، مصرف من الاعتداء، وفِي السَّبْتِ معناه في يوم السبت، ويحتمل أن يريد في حكم السبت، والسَّبْتِ مأخوذ إما : من السبوت الذي هو الراحة والدعة، وإما من