المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٤٠١
يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ
[البقرة : ٢٦] وقوله : كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ [الأنعام : ١٢٥].
قال الفقيه أبو محمد : وهذه الأقوال وما ضارعها يضعفها أن أهل الزيغ لا تعلق لهم بنوع مما ذكر دون سواه، وقال محمد بن جعفر بن الزبير : المحكمات هي التي فيهن حجة الرب وعصمة العباد ودفع الخصوم والباطل ليس لها تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه، والمتشابهات لهن تصريف وتحريف وتأويل ابتلى اللّه فيهن العباد.
قال الفقيه الإمام أبو محمد : وهذا أحسن الأقوال في هذه الآية، وقال ابن زيد : المحكم ما أحكم فيه قصص الأنبياء والأمم وبين لمحمد وأمته، والمتشابه هو ما اشتبهت الألفاظ به من قصصهم عند التكرير في السور بعضها باتفاق الألفاظ واختلاف المعاني، وبعضه بعكس ذلك نحو قوله : حَيَّةٌ تَسْعى [طه :
٢٠] وثُعْبانٌ مُبِينٌ [الأعراف : ١٠٧] ونحو : اسلك يدك، وأدخل يدك، وقالت جماعة من العلماء منهم جابر بن عبد اللّه بن رئاب وهو مقتضى قول الشعبي وسفيان الثوري، وغيرهما : المحكمات من آي القرآن ما عرف العلماء تأويله وفهموا معناه وتفسيره والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل مما استأثر اللّه بعلمه دون خلقه قال بعضهم : وذلك مثل وقت قيام الساعة وخروج يأجوج ومأجوج والدجال ونزول عيسى ونحو الحروف المقطعة في أوائل السور.
قال القاضي رحمه اللّه : أما الغيوب التي تأتي فهي من المحكمات، لأن ما يعلم البشر منها محدود وما لا يعلمونه وهو تحديد الوقت محدود أيضا، وأما أوائل السور فمن المتشابه لأنها معرضة للتأويلات ولذلك اتبعته اليهود وأرادوا أن يفهموا منه مدة أمة محمد عليه السلام، وفي بعض هذه العبارات التي ذكرنا للعلماء اعتراضات، وذلك أن التشابه الذي في هذه الآية مقيد بأنه مما لأهل الزيغ به تعلق، وفي بعض عبارات المفسرين تشابه لا يقتضي لأهل الزيغ تعلقا.
وقوله تعالى : أُمُّ الْكِتابِ فمعناه الإعلام بأنها معظم الكتاب وعمدة ما فيه إذ المحكم في آيات اللّه كثير قد فصل ولم يفرط في شيء منه، قال يحيى بن يعمر : هذا كما يقال لمكة - أم القرى - ولمرو أم خراسان، وكما يقال أم الرأس لمجتمع الشؤون إذ هو أخطر مكان، قال المهدوي والنقاش : كل آية محكمة في كتاب اللّه يقال لها أُمُّ الْكِتابِ، وهذا مردود بل جميع المحكم هو أُمُّ الْكِتابِ، وقال النقاش :
وذلك كما تقول : كلكم عليّ أسد ضار.
قال الفقيه أبو محمد : وهذا المثال غير محكم، وقال ابن زيد : أُمُّ الْكِتابِ معناه جماع الكتاب، وحكى الطبري عن أبي فاختة أنه قال : هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ يراد به فواتح السور إذ منها يستخرج القرآن الم ذلِكَ الْكِتابُ منه استخرجت سورة البقرة الم اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ منه استخرجت سورة آل عمران، وهذا قول متداع للسقوط مضطرب لم ينظر قائله أول الآية وآخرها ومقصدها وإنما معنى الآية الإنحاء على أهل الزيغ والإشارة بذلك أولا إلى نصارى نجران وإلى اليهود الذين كانوا معاصرين لمحمد عليه السلام فإنهم كانوا يعترضون معاني القرآن، ثم تعم بعد ذلك كل زائغ، فذكر اللّه تعالى أنه نزل الكتاب على محمد


الصفحة التالية
Icon