المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٤٠٥
استسلام وتطارح، والمراد هب لنا نعيما صادرا عن الرحمة لأن الرحمة راجعة إلى صفات الذات فلا تتصور فيها الهبة.
وقوله تعالى : رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ إقرار بالبعث ليوم القيامة، قال الزجاج : هذا هو التأويل الذي علمه الراسخون فأقروا به، وخالف الذين اتبعوا ما تشابه عليهم من أمر البعث حين أنكروه، والريب :
الشك، والمعنى أنه في نفسه حق لا ريب فيه وإن وقع فيه ريب عند المكذبين به فذلك لا يعتد به إذ هو خطأ منهم، وقوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ يحتمل أن يكون إخبارا منه محمدا عليه السلام وأمته، ويحتمل أن يكون حكاية من قول الداعين، ففي ذلك إقرار بصفة ذات اللّه تعالى، والْمِيعادَ مفعال من الوعد.
قوله تعالى :
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٠ الى ١١]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (١١)
هم الكفار الذين لا يقرون ببعث إنما هي على وجه الدهر وإلى يوم القيامة في زينة الدنيا وهي المال والبنون، فأخبر اللّه تعالى في هذه الآية، أن ذلك المتهم فيه لا يغني عن صاحبه شيئا ولا يمنعه من عذاب اللّه وعقابه، ومِنَ في قوله : مِنَ اللَّهِ لابتداء الغاية، والإشارة بالآية إلى معاصري النبي صلى اللّه عليه وسلم، وكانوا يفخرون بأموالهم وأبنائهم، وهي - بعد - متناولة كل كافر، وقرأ أبو عبد الرحمن :«لن يغني» بالياء، على تذكير العلامة، والوقود بفتح الواو ما يحترق في النار من حطب ونحوه، وكذلك هي قراءة جمهور الناس، وقرأ الحسن ومجاهد وجماعة غيرهما وَقُودُ بضم الواو وهذا على حذف مضاف تقديره، حطب وَقُودُ النَّارِ، والوقود بضم الواو المصدر، وقدت النار تقد إذا اشتعلت، والدأب والدأب، بسكون الهمزة وفتحها، مصدر دأب يدأب - إذا لازم فعل شيء ودام عليه مجتهدا فيه، ويقال للعادة - دأب - فالمعنى في الآية، تشبيه هؤلاء في لزومهم الكفر ودوامهم عليه بأولئك المتقدمين، وآخر الآية يقتضي الوعيد بأن يصيب هؤلاء مثل ما أصاب أولئك من العقاب.
والكاف في قوله كَدَأْبِ في موضع رفع، التقدير : دأبهم كَدَأْبِ، ويصح أن يكون الكاف في موضع نصب، قال الفراء : هو نعت لمصدر محذوف تقديره كفرا كَدَأْبِ، فالعامل فيه كَفَرُوا، ورد هذا القول الزجاج بأن الكاف خارجة من الصلة فلا يعمل فيها ما في الصلة.
قال القاضي رحمه اللّه : ويصح أن يعمل فيه فعل مقدر من لفظ «الوقود» ويكون التشبيه في نفس الاحتراق، ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى : أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ، النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا [غافر : ٤٦]، والقول الأول أرجح الأقوال أن يكون الكاف في موضع رفع، والهاء في قَبْلِهِمْ عائدة على آلِ فِرْعَوْنَ، ويحتمل أن تعود على معاصري رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الكفار، وقوله : بِآياتِنا يحتمل أن يريد بالآيات المتلوة، ويحتمل أن يريد العلامات المنصوبة، واختلفت عبارة