المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٤١٥
للمعاصرين لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بمساوئ، أسلافهم وببقائهم أنفسهم على فعل ما أمكنهم من تلك المساويء لأنهم كانوا حرصى على قتل محمد عليه السلام، وروي أن بني إسرائيل قتلوا في يوم واحد سبعين نبيا وقامت سوق البقل بعد ذلك، وروى أبو عبيدة بن الجراح عن النبي عليه السلام : أنهم قتلوا ثلاثة وأربعين نبيا فاجتمع من خيارهم وأحبارهم مائة وعشرون ليغيروا وينكروا فقتلوا أجمعين كل ذلك في يوم واحد وذلك معنى قوله تعالى : وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ وقوله تعالى : بِغَيْرِ حَقٍّ مبالغة في التحرير للذنب إذ في الإمكان أن يقتضي ذلك أمر اللّه تعالى بوجه ما من تكرمة نبي أو غير ذلك، وعلى هذا المعنى تجيء أفعل من كذا إذا كان فيها شياع مثل أحب وخير وأفضل ونحوه مقولة من شيئين ظاهرهما الاشتراك بينهما.
وقرأ جمهور الناس :«و يقتلون الذين» وقرأ حمزة وجماعة من غير السبعة «و يقاتلون الذين» وفي مصحف ابن مسعود «و قاتلوا الذين»، وقرأها الأعمش، وكلها متوجهة وأبينها قراءة الجمهور، والقسط العدل، وجاءت البشارة بالعذاب من حيث نص عليه وإذا جاءت البشارة مطلقة فمجملها فيما يستحسن، ودخلت الفاء في قوله : فَبَشِّرْهُمْ لما في الذي من معنى الشرط في هذا الموضع فذلك بمنزلة قولك :
الذي يفعل كذا فله كذا إذا أردت أن ذلك إنما يكون له بسبب فعله الشيء الآخر فيكون الفعل في صلتها وتكون بحيث لم يدخل عليها عامل يغير معناها كليت ولعل، وهذا المعنى نص في كتاب سيبويه في باب ترجمة هذا باب الحروف التي تتنزل منزلة الأمر والنهي لأن فيها معنى الأمر والنهي، وحَبِطَتْ معناه :
بطلت وسقط حكمها، وحبطها في الدنيا بقاء الذم واللعنة عليهم، وحبطها في الآخرة كونها هباء منبثا وتعذيبهم عليها، وقرأ ابن عباس وأبو السمال العدوي :«حبطت» بفتح الباء وهي لغة، ثم نفى النصر عنهم في كلا الحالين.
قوله تعالى :
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٢٣ الى ٢٥]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٥)
قال ابن عباس : نزلت هذه الآية بسبب أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دخل بيت المدارس على جماعة من يهود فدعاهم إلى اللّه فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد : على أي دين أنت يا محمد؟
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«أنا على ملة إبراهيم» فقالا : فإن إبراهيم كان يهوديا، فقال لهما النبي عليه السلام :«فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم» فأبيا عليه فنزلت، وذكر النقاش : أنها نزلت لأن