المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٤٢٤
تعالى : بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ أي في الإيمان والطاعة وإنعام اللّه عليهم بالنبوة.
واختلف الناس في العامل في قوله إِذْ قالَتِ فقال أبو عبيدة معمر : إِذْ زائدة، وهذا قول مردود، وقال المبرد والأخفش : العامل فعل مضمر تقديره، اذكر إذ وقال الزجاج : العامل معنى الاصطفاء، التقدير :
واصطفى آل عمران إذ :
قال القاضي أبو محمد : وعلى هذا القول يخرج عمران من الاصطفاء، وقال الطبري ما معناه : إن العامل في إِذْ قوله سَمِيعٌ وامْرَأَتُ عِمْرانَ اسمها حنة بنت قاذوذ فيما ذكر الطبري عن ابن إسحاق، وهي أم مريم بنت عمران، ومعنى قوله : نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً أي جعلت نذرا أن يكون هذا الولد الذي في بطني حبيسا على خدمة بيتك محررا من كل خدمة وشغل من أشغال الدنيا، أي عتيقا من ذلك فهو من لفظ الحرية، ونصبه على الحال، قال مكي : فمن نصبه على النعت لمفعول محذوف يقدره، غلاما محررا، وفي هذا نظر، والبيت الذي نذرته له هو بيت المقدس.
قال ابن إسحاق : كان سبب نذر حنة لأنها كانت قد أمسك عنها الولد حتى أسنت فبينما هي في ظل شجرة إذ رأت طائرا يزق فرخا له فتحركت نفسها للولد فدعت اللّه أن يهب لها ولدا فحملت بمريم وهلك عمران، فلما علمت أن في بطنها جنينا جعلته نذيرة للّه، أن يخدم الكنيسة لا ينتفع به في شيء من أمر الدنيا، وقال مجاهد : مُحَرَّراً معناه خادما للكنيسة وقال مثله الشعبي وسعيد بن جبير، وكان هذا المعنى من التحرير للكنائس عرفا في الذكور خاصة، وكان فرضا على الأبناء التزام ذلك، فقالت ما فِي بَطْنِي ولم تنص على ذكورته لمكان الإشكال، ولكنها جزمت الدعوة رجاء منها أن يكون ذكرا، وتقبل الشيء وقبوله أخذه حيث يتصور الأخذ والرضى به في كل حال، فمعنى قولها فَتَقَبَّلْ مِنِّي أي ارض عني في ذلك واجعله فعلا مقبولا مجازى به، والسميع، إشارة إلى دعائها العليم إشارة إلى نيتها.
قوله تعالى :
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٣٦ الى ٣٧]
فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٣٦) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٧)
هذه الآية خطاب من اللّه تعالى لمحمد عليه السلام، والوضع الولادة، وأنث الضمير في وَضَعَتْها، حملا على الموجودة ورفعا للفظ ما التي في قولها ما فِي بَطْنِي [آل عمران : ٣٣] وقولها، رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى لفظ خبر في ضمنه التحسر والتلهف، وبيّن اللّه ذلك بقوله : وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ. وقرأ جمهور الناس «وضعت» بفتح العين وإسكان التاء، وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر «وضعت»، بضم التاء وإسكان العين، وهذا أيضا مخرج قولها، رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى من معنى الخبر إلى معنى