المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٤٣٧
وفائدة ذلك إذ كلام الكهل عرف أنه إخبار لها بحياته إلى سن الكهولة، هذا قول الربيع وجماعة من المفسرين، وقال ابن زيد : فائدة قوله كَهْلًا الإخبار بنزوله عند قتله الدجال كهلا، وقال جمهور الناس :
الكهل الذي بلغ سن الكهولة، وقال مجاهد : الكهل الحليم، وهذا تفسير الكهولة بعرض مصاحب لها في الأغلب، واختلف الناس في حد الكهولة، فقيل : الكهل ابن أربعين سنة، وقيل : ابن خمس وثلاثين، وقيل، ابن ثلاث وثلاثين، وقيل : ابن اثنين وثلاثين، وهذا حد أولها. وأما آخرها فاثنتان وخمسون، ثم يدخل سن الشيخوخة.
وقول مريم : رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ استفهام عن جهة حملها واستغراب للحمل على حال بكارتها، ويَمْسَسْنِي، معناه يطأ ويجامع، والمسيس الجماع، ومريم لم تنف مسيس الأيدي، والإشارة بقوله : كَذلِكِ، يحتمل أن تكون إلى هذه القدرة التي تتضمنها البشارة بالكلمة، ويحتمل أن تكون إلى حال مريم وبكارتها، وقد تقدم شرح هذين التأويلين في أمر زكرياء عليه السلام، وجاءت العبارة في أمر زكريا يفعل وجاءت هنا، يَخْلُقُ من حيث أمر زكرياء داخل في الإمكان الذي يتعارف وإن قل وقصة مريم لا تتعارف البتة، فلفظ الخلق أقرب إلى الاختراع وأدل عليه، وروي أن عيسى عليه السلام، ولد لثمانية أشهر فلذلك لا يعيش من يولد من غيره لمثل ذلك، وقوله تعالى : إِذا قَضى معناه إذا أراد إيجاده، والأمر واحد الأمور وهو مصدر سمي به، والضمير في لَهُ عائد على الأمر والقول على جهة المخاطبة، قال مكي : وقيل المعنى يقول لأجله، وهذا ينحو إلى ما نورده عن أبي علي بعد، وقرأ جمهور السبعة «فيكون» بالرفع، وقرأ ابن عامر وحده «فيكون» بالنصب، فوجه الرفع العطف على يَقُولُ، أو تقدير فهو يكون، وأما قراءة ابن عامر فغير متجهة لأن الأمر المتقدم خطاب للمقضي وقوله : فَيَكُونُ، خطاب للمخبر، فليس كقوله قم فأحسن إليك، لكن وجهها أنه راعى الشبه اللفظي في أن تقدم في الكلام لفظ أمر كما قال أبو الحسن الأخفش في نحو قوله تعالى : قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ [إبراهيم : ٣١] أنه مجرى جواب الأمر، وإن لم يكن له جوابا في الحقيقة، فكذلك على قراءة ابن عامر يكون قوله، فيكون بمنزلة جواب الأمر وإن لم يكن جوابا، وذهب أبو علي في هذه المسألة إلى أن القول فيها ليس بالمخاطبة المحضة، وإنما هو قول مجازي كما قال : امتلأ الحوض وقال قطني وغير ذلك، قال : لأن المنتفي ليس بكائن فلا يخاطب كما لا يؤمر، وإنما المعنى فإنما يكونه فهو يكون،
فهذه نزعة اعتزالية غفر اللّه له.
قوله تعالى :
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٤٨ الى ٤٩]
وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨) وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٤٩)
قرأ نافع وعاصم «و يعلمه» بالياء، وذلك عطف على يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ [آل عمران : ٤٥] كذا قال أبو علي : ويحتمل أن يكون في موضع الحال عطفا على وَيُكَلِّمُ [آل عمران : ٤٦]، وقرأ الباقون، و«نعلمه» بالنون، وهي مثل قراءة الياء في المعنى لكن جاءت بنون العظمة، قال الطبري : قراءة الياء عطف