المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٥٠٥
هذا مسومون، وقال كثير من أهل التفسير : إن معنى «مسوّمين» بكسر الواو أي هم قد سوموا خيلهم : أي أعطوها سومها من الجري والقتال والإحضار فهي سائمة، ومنه سائمة الماشية، لأنها تركت وسومها من الرعي، وذكر المهدوي هذا المعنى في «مسوّمين» بفتح الواو أي أرسلوا وسومهم.
قال القاضي : وهذا قلق : وقد قاله ابن فورك أيضا.
قوله تعالى :
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٢٦ الى ١٢٩]
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١٢٦) لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (١٢٧) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (١٢٨) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢٩)
الضمير في جَعَلَهُ اللَّهُ عائد على الإنزال والإمداد، و«البشرى» مصدر واللام في وَلِتَطْمَئِنَّ متعلقة بفعل مضمر يدل عليه جعله، ومعنى الآية : وما كان هذا الإمداد إلا لتستبشروا به وتطمئن به قلوبكم وتروا حفاية اللّه بكم، وإلا فالكثرة لا تغني شيئا إلا أن ينصر اللّه، وقوله : وَمَا النَّصْرُ يريد للمؤمنين، وكذلك أيضا هي الإدالة للكفار من عند اللّه.
واللام في قوله : لِيَقْطَعَ متعلقة بقوله وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وعلى هذا لا يكون قطع الطرف مختصا بيوم، اللهم إلا أن تكون الألف واللام في «النصر» للعهد، وقيل : العامل فيه «و لقد نصركم» حكاه ابن فورك وهو قلق، لأن قوله : أَوْ يَكْبِتَهُمْ لا يترتب عليه، وقد يحتمل أن تكون اللام في قوله لِيَقْطَعَ متعلقة ب جَعَلَهُ، فيكون قطع الطرف إشارة إلى من قتل ببدر، على ما قال الحسن وابن إسحاق وغيرهم، أو إلى من قتل بأحد على ما قال السدي، وقتل من المشركين ببدر سبعون، وقتل منهم يوم أحد اثنان وعشرون رجلا، وقال السدي : قتل منهم ثمانية عشر والأول أصح، و«الطرف» الفريق، ومتى قتل المسلمون كفارا في حرب فقد قطعوا طَرَفاً، لأنه الذي وليهم من الكفار فكأن جميع الكفار رقعة وهؤلاء المقتولون طرف منها أي حاشية، ويحتمل أن يكون قوله تعالى : لِيَقْطَعَ طَرَفاً بمنزلة ليقطع دابرا وقوله :
أَوْ يَكْبِتَهُمْ معناه : أو يخزيهم، والكبت الصرع لليدين، وقال النقاش وغيره : التاء بدل من دال كبته أصله كبده أي فعل به يؤذي كبده، وإذا نصر اللّه على أمة كافرة فلا بد من أحد هذين الوجهين، إما أن يقتل منهم أو يخيبوا، فذلك نوع من الهزم.
وقوله تعالى : لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ توقيف على أن الأمر كله للّه، وهذا التوقيف يقتضي أنه كان بسبب من جهة النبي صلى اللّه عليه وسلم وروي في ذلك أنه لما هزم أصحابه وشج في وجهه، حتى دخلت بعض حلق الدرع في خده وكسرت رباعيته وارتث بالحجارة حتى صرع لجنبه، تحيز عن الملحمة، وجعل يمسح الدم من وجهه ويقول : لا يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم، هكذا لفظ الحديث من طريق أنس بن