المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٥١٧
المفسرين : ألف الاستفهام دخلت في غير موضعها، لأن الغرض إنما هو : أتنقلبون على أعقابكم إن مات محمد؟ فالسؤال إنما هو عن جواب الشرط.
قال الفقيه القاضي أبو محمد : وبذلك النظر الذي قدمته يبين وجه فصاحة دخول الألف على الشرط، وذلك شبيه بدخول ألف التقريب في قوله : أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ [البقرة : ١٧٠، المائدة : ١٠٤] ونحوه من الكلام، كأنك أدخلت التقرير على ما ألزمت المخاطب أنه يقوله، والانقلاب على العقب يقتضي التولي عن المنقلب عنه، ثم توعد تعالى المنقلب على عقبه بقوله تعالى : فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً لأن المعنى فإنما يضر نفسه وإياها يوبق، ثم وعد الشاكرين وهم الذين صدقوا وصبروا ولم ينقلب منهم أحد على عقبيه بل مضى على دينه قدما حتى مات، فمنهم سعد بن الربيع وتقضي بذلك وصيته إلى الأنصار، ومنهم أنس بن النضر، ومنهم الأنصاري الذي ذكر الطبري عنه بسند أنه مر عليه رجل من المهاجرين، والأنصاريّ يتشحط في دمه، فقال : يا فلان أشعرت أن محمدا قد قتل، فقال الأنصاري : إن كان محمد قد قتل فإنه قد بلغ، فقاتلوا عن دينكم.
قال الفقيه أبو محمد : فهؤلاء أصحاب النازلة يومئذ صدق فعلهم قولهم. ثم يدخل في الآية الشاكرون إلى يوم القيامة، قال ابن إسحاق معنى وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ أي من أطاعه وعمل بأمره، وذكر الطبري بسند عن علي بن أبي طالب وذكر غيره : أنه قال في تفسير هذه الآية :«الشاكرون» : الثابتون على دينهم، أبو بكر وأصحابه وكان يقول : أبو بكر أمير الشاكرين، وهذه عبارة من علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه إنما هي إلى صدع أبي بكر رضي اللّه عنه بهذه الآية في يوم موت النبي عليه السلام وثبوته في ذلك الموطن، وثبوته في أمر الردة، وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما قبض وشاع موته، هاج المنافقون وتكلموا، وهموا بالاجتماع والمكاشفة، أوقع اللّه تعالى في نفس عمر رضي اللّه عنه أن النبي لم يقبض فقام بخطبته المشهورة المخوفة للمنافقين برجوع النبي عليه السلام، ففت ذلك في أعضاد المنافقين وتفرقت كلمتهم ثم جاء أبو بكر بعد أن نظر إلى النبي عليه السلام فسمع كلام عمر فقال له : اسكت، فاستمر عمر في كلامه فتشهد أبو بكر فأصغى الناس إليه، فقال : أما بعد فإنه من كان يعبد اللّه تعالى، فإن اللّه حي لا يموت ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، وتلا الآية كلها، فبكى الناس ولم يبق أحد إلا قرأ الآية كأن الناس ما سمعوها قبل ذلك اليوم، قالت عائشة رضي اللّه عنها في البخاري : فنفع اللّه بخطبة عمر، ثم بخطبة أبي بكر.
قال الفقيه الإمام أبو محمد : فهذا من المواطن التي ظهر فيها شكر أبي بكر وشكر الناس بسببه.
ثم أخبر تعالى عن النفوس أنها إنما تموت بأجل مكتوب محتوم واحد عند اللّه تعالى، أي فالجبن لا يزيد فيه، والشجاعة والإقدام لا تنقص منه، وفي هذه الآية تقوية النفوس للجهاد، قال ابن فورك : وفيها تسلية في موت النبي عليه السلام، والعبارة بقوله : وَما كانَ قد تجيء فيما هو ممكن قريب نحو قول أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه : ما كان لأبن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول اللّه، وقد تقع في الممتنع عقلا نحو قوله ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها [النمل : ٦٠] فهي عبارة لا صيغة لها ولا تتضمن نهيا كما