المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٥٢٤
و«المأوى» : مفعل من أويت إلى المكان إذا دخلته وسكنت فيه، و«المثوى»، مفعل من : ثويت، والتقدير :
وبئس مثوى الظالمين هي.
قوله تعالى :
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٥٢]
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (١٥٢)
جاءت المخاطبة في هذه الآيات بجمع ضمير المؤمنين، وإن كانت الأمور التي عاتبهم اللّه تعالى عليها لم يقع فيها جميعهم، ولذلك وجوه من الفصاحة : منها وعظ الجميع وزجره، إذ من لم يفعل معد أن يفعل إن لم يزجر، ومنها الستر والإبقاء على من فعل، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد وعد المؤمنين النصر يومئذ على خبر اللّه تعالى - إن صبروا وجدوا - فصدق اللّه الوعد أولا، وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صاف المسلمين يومئذ ورتب الرماة على ما قد ذكرناه في صدر تفسير هذه الآيات في قصة أحد، فبارز علي بن أبي طالب أبا سعد بن أبي طلحة وهو صاحب لواء المشركين، وحمل الزبير وأبو دجانة فهزّا عسكر المشركين، ونهض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالناس، فأبلى حمزة بن عبد المطلب وعاصم بن أبي الأقلح، وانهزم المشركون وقتل منهم اثنان وعشرون رجلا فهذا معنى قوله تعالى : إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ والحس : القتل الذريع، يقال حسهم إذا استأصلهم قتلا، وحس البرد النبات وقال رؤبة :
[الرجز]
إذا تشكّوا سنّة حسوسا تأكل بعد الأخضر اليبيسا
قال بعض الناس : هو مأخوذ من الحاسة، والمعنى في حس : أفسد الحواس.
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف، و«الإذن» : التمكين مع العلم بالممكن منه، وقوله تعالى :
حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ يحتمل أن تكون حَتَّى غاية مجردة، كأنه قال : إلى أن فشلتم، ويقوي هذا أن إِذا بمعنى «إذ» لأن الأمر قد كان تقضى، وإنما هي حكاية حال، فتستغني إِذا على هذا النظر عن جواب، والأظهر الأقوى أن إِذا على بابها تحتاج إلى الجواب، وتكون حتى كأنها حرف ابتداء على نحو دخولها على الجمل، واختلف النحاة في جواب إِذا فذهبت فرقة إلى أن الجواب قوله تَنازَعْتُمْ، والواو زائدة، وحكى المهدوي عن أبي علي أنه قال : الجواب قوله : صَرَفَكُمْ وثُمَّ زائدة.
قال القاضي أبو محمد : وهذا قول لا يشبه نظر أبي علي وسيبويه والخليل وفرسان الصناعة، إن الجواب محذوف مقدر، يدل عليه المعنى، تقديره : انهزمتم ونحوه، و«الفشل» - استشعار العجز وترك الجد، وهذا مما فعله يومئذ قوم، و«التنازع» هو الذي وقع بين الرماة، فقال بعضهم : الغنيمة