المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٥٣٩
عبد اللّه بن أبي وأصحابه الذين انصرفوا معه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم - أحد - وذلك أنه كان من رأي عبد اللّه بن أبي أن لا يخرج إلى كفار قريش، فلما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالناس على الوجه الذي قد ذكرناه، قال عبد اللّه بن أبي : أطاعهم وعصاني، فانخذل بنحو ثلث الناس، فمشى في أثرهم عبد اللّه بن عمرو بن حرام الأنصاري أبو جابر بن عبد اللّه فقال لهم :
اتقوا اللّه ولا تتركوا نبيكم وقاتلوا في سبيل اللّه أو ادفعوا، أو نحو هذا من القول، فقال له ابن أبي : ما أرى أن يكون قتال، ولو علمنا أن يكون قتال لكنا معكم، فلما يئس منهم عبد اللّه قال : اذهبوا أعداء اللّه، فسيغني اللّه رسوله عنكم، ومضى مع النبي صلى اللّه عليه وسلم فاستشهد، واختلف الناس في معنى قوله :
أَوِ ادْفَعُوا فقال السدي وابن جريج وغيرهما معناه : كثروا السواد وإن لم تقاتلوا، فيندفع القوم لكثرتكم، وقال أبو عون الأنصاري : معناه رابطوا، وهذا قريب من الأول، ولا محالة أن المرابط مدافع، لأنه لولا مكان المرابطين في الثغور لجاءها العدو، والمكثر للسواد مدافع، وقال أنس بن مالك : رأيت يوم القادسية عبد اللّه ابن أم مكتوم الأعمى، وعليه درع يجر أطرافها وبيده راية سوداء، فقيل له : أليس قد أنزل اللّه عذرك؟ قال : بلى، ولكني أكثر المسلمين بنفسي، وروي أنه قال : فكيف بسوادي في سبيل اللّه، وذهب بعض المفسرين إلى أن قول عبد اللّه بن عمرو : أَوِ ادْفَعُوا، إنما هو استدعاء القتال حمية، لأنه دعاهم إلى القتال في سبيل اللّه، وهو أن تكون كلمة اللّه هي العليا، فلما رأى أنهم ليسوا أهل ذلك، عرض عليهم الوجه الذي يحشمهم ويبعث الأنفة، أي أو قاتلوا دفاعا عن الحوزة، ألا ترى أن قزمان قال : واللّه ما قاتلت إلا على أحساب قومي، وألا ترى أن بعض الأنصار قال يوم - أحد - لما رأى قريشا قد أرسلت الظهر في زروع قناة قال : أترعى زروع بني قيلة ولما نضارب؟ وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم قد أمر أن لا يقاتل أحد حتى يأمره بالقتال، فكأن عبد اللّه بن عمرو بن حرام دعاهم إلى هذا المقطع العربي الخارج عن الدين والقتال في سبيل اللّه، وذهب جمهور المفسرين إلى أن قوله : أَقْرَبُ مأخوذ من القرب ضد البعد، وسدت - اللام - في قوله : لِلْكُفْرِ، ولِلْإِيمانِ - مسد إلى، وحكى النقاش : أن قوله أَقْرَبُ مأخوذ من القرب بفتح القاف والراء وهو الطلب، والقارب طالب الماء، وليلة القرب ليلة الورد، فاللفظة بمعنى أطلب، واللام متمكنة على هذا القول، وقوله : بِأَفْواهِهِمْ تأكيد، مثل يطير بجناحيه، وقوله : ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ يريد ما يظهرون من الكلمة الحاقنة لدمائهم، ثم فضحهم تعالى بقوله : وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ أي من
الكفر وعداوة الدين وفي الكلام توعد لهم.
قوله تعالى :
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٦٨ الى ١٧٠]
الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٦٨) وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٧٠)
الَّذِينَ بدل من «الذين» المتقدم، و«إخوانهم» المقتولون من الخزرج وهي أخوة نسب ومجاورة،