المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٥٤١
العلقة، وروي عن النبي عليه السلام أنه قال : إنه اللّه تعالى يطلع إلى الشهداء فيقول : يا عبادي ما تشتهون فأزيدكم؟ فيقولون يا ربنا لا فوق ما أعطيتنا، هذه الجنة نأكل منها حيث نشاء، لكنا نريد أن تردنا إلى الدنيا فنقاتل في سبيلك فنقتل مرة أخرى، فيقول تعالى : قد سبق أنكم لا تردون، وروي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لجابر بن عبد اللّه : ألا أبشرك يا جابر؟ قال جابر : قلت بلى يا رسول اللّه، قال : إن أباك حيث أصيب - بأحد - أحياه اللّه، ثم قال : ما تحب يا عبد اللّه بن عمرو أن أفعل بك؟ قال : يا رب أحب أن تردني إلى الدنيا فأقاتل فيك فأقتل مرة أخرى، وقال قتادة رحمه اللّه : ذكر لنا أن رجالا من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قالوا : ليتنا نعلم ما فعل إخواننا الذين أصيبوا - بأحد - فنزلت هذه الآية وقال محمد بن قيس بن مخرمة في حديث : إن الشهداء قالوا يا ربنا ألا رسول يخبر نبينا عنا بما أعطيتنا؟ فقال اللّه تعالى :
أنا رسولكم، فنزل جبريل بهذه الآية وكثرت هذه الأحاديث في هذا المعنى، واختلفت الروايات وجميع ذلك جائز على ما اقتضبته من هذه المعاني وقوله تعالى : فَرِحِينَ نصب في موضع الحال وهو من الفرح بمعنى السرور، و«الفضل» في هذه الآية : التنعيم المذكور.
يَسْتَبْشِرُونَ معناه : يسرون ويفرحون، وليست استفعل في هذا الموضع بمعنى طلب البشارة، بل هي بمعنى استغنى اللّه واستمجد المرخ والعفار، وذهب قتادة والربيع وابن جريج وغيرهم : إلى أن هذا الاستبشار إنما هو بأنهم يقولون : إخواننا الذين تركناهم خلفنا في الدنيا يقاتلون في سبيل اللّه مع نبيهم فيستشهدون فينالون من الكرامة مثل ما نحن فيه فيسرون لهم بذلك، إذ يحصلون لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وذهب فريق من العلماء وأشار إليه الزجّاج وابن فورك : إلى أن الإشارة في قوله : بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا إلى جميع المؤمنين، أي لم يلحقوا بهم في فضل الشهادة لكن الشهداء لما عاينوا ثواب اللّه، وقع اليقين بأن دين الإسلام هو الحق الذي يثيب اللّه عليه، فهم فرحون لأنفسهم بما آتاهم اللّه من فضله، وَيَسْتَبْشِرُونَ للمؤمنين بأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون»، وأَلَّا مفعول من أجله، التقدير، بأن لا خوف، ويجوز أن يكون في موضع خفض بدل اشتمال.
قوله تعالى :
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٧١ الى ١٧٢]
يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (١٧١) الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٢)
ثم أكد تعالى استبشارهم بقوله : يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ ثم بين تعالى بقوله : وَفَضْلٍ فوقع إدخاله إياهم الجنة الذي هو فضل منه لا بعمل أحد، وأما النعمة في الجنة والدرجات فقد أخبر أنها على قدر الأعمال، وقرأ الكسائي وجماعة من أهل العلم :«و إن اللّه» - بكسر الألف من «أن»، وقرأ باقي السبعة وجمهور العلماء :«و أن اللّه» - بفتح الألف، فمن قرأ بالفتح فذلك داخل فيما يستبشر به، المعنى، بنعمة وبأن اللّه، ومن قرأ بالكسر فهو إخبار مستأنف، وقرأ عبد اللّه «و فضل واللّه لا يضيع».


الصفحة التالية
Icon