المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٥٥٩
عسى أن يعمل من خير، وليس ينتظر في الآخرة ثوابا، فهذه جنته، وهذا القول عندي كالتفسير والشرح للأول.
قوله تعالى :
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٩٩ الى ٢٠٠]
وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠)
اختلف المتأولون فيمن عنى بهذه الآية، فقال جابر بن عبد اللّه وابن جريج وقتادة وغيرهم : نزلت بسبب أصحمة النجاشي سلطان الحبشة، وذلك أنه كان مؤمنا باللّه وبمحمد صلى اللّه عليه وسلم، فلما مات عرف بذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في ذلك اليوم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأصحابه : اخرجوا فصلوا على أخ لكم، فصلى عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالناس، فكبر أربعا، وفي بعض الحديث : أنه كشف لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن نعشه في الساعة التي قرب منها للدفن، فكان يراه من موضعه بالمدينة، فلما صلى عليه النبي صلى اللّه عليه وسلم قال المنافقون : انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني لم يره قط، فنزلت هذه الآية، وكان أصحمة النجاشي نصرانيا، وأصحمة تفسيره بالعربية عطية، قاله سفيان بن عيينة وغيره، وروي أن المنافقين قالوا بعد ذلك : فإنه لم يصل القبلة فنزلت وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة : ١١٥] وقال قوم : نزلت في عبد اللّه بن سلام، وقال ابن زيد ومجاهد : نزلت في جميع من آمن من أهل الكتاب، وخاشِعِينَ حال من الضمير في يُؤْمِنُ، ورد خاشِعِينَ على المعنى في «من» لأنه جمع لا على لفظ «من» لأنه إفراد، وقوله تعالى : لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا مدح لهم وذم لسائر كفار أهل الكتاب لتبديلهم وإيثارهم كسب الدنيا الذي هو ثمن قليل على آخرتهم وعلى آيات اللّه تعالى، وقوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ قيل معناه : سريع إتيان بيوم القيامة، وهو يوم الحساب، فالحساب إذا سريع إذ كل آت قريب، وقال قوم : سَرِيعُ الْحِسابِ أي إحصاء أعمال العباد وأجورهم وآثامهم، إذ ذلك كله في عمله لا يحتاج فيه إلى عد وروية ونظر كما يحتاج البشر.
ثم ختم اللّه تعالى السورة بهذه الوصاة التي جمعت الظهور في الدنيا على الأعداء، والفوز بنعيم الآخرة، فحض على الصبر على الطاعات وعن الشهوات، وأمر بالمصابرة فقيل : معناه مصابرة الأعداء، قاله زيد بن أسلم، وقيل معناه : مصابرة وعد اللّه في النصر، قاله محمد بن كعب القرظي : أي لا تسأموا وانتظروا الفرج، وقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : انتظار الفرج بالصبر عبادة، وكذلك اختلف المتأولون في معنى قوله وَرابِطُوا فقال جمهور الأمة معناه : رابطوا أعداءكم الخيل، أي ارتبطوها كما