المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٦١
ذلك. والشافعي - رحمه اللّه - يعد «بسم اللّه الرحمن الرحيم» آية من الحمد، وكثير من قراء مكة والكوفة لا يعدون أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة : ٧]. ومالك - رحمه اللّه -، وأبو حنيفة، وجمهور الفقهاء، والقراء، لا يعدون البسملة آية. والذي يحتمله عندي حديث جابر، وأبي هريرة - إذا صحّا - أن النبي صلى اللّه عليه وسلم رأى قراءة جابر وحكايته أمر الصلاة قراءة في غير صلاة على جهة التعلم فأمره بالبسملة لهذا لا لأنها آية. وكذلك في حديث أبي هريرة رآها قراءة تعليم، ولم يفعل ذلك مع أبيّ لأنها قصد تخصيص السورة ووسمها من الفضل بما لها، فلم يدخل معها ما ليس منها، وليس هذا القصد في حديث جابر وأبي هريرة، واللّه أعلم.
وقال ابن المبارك :«إن البسملة آية في كل سورة»، وهذا قول شاذ رد الناس عليه. وروى الشعبي والأعمش أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يكتب «باسمك اللهم»، حتى أمر أن يكتب «بسم اللّه» فكتبها. فلما نزلت قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الإسراء : ١١٠] كتب :«بسم اللّه الرحمن». فلما نزلت : إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [النمل : ٣٠] كتبها.
وروى عمرو بن شرحبيل : أن جبريل أول ما جاء النبي عليه السلام قال له : قل :«بسم اللّه الرحمن الرحيم».
وروي عن ابن عباس : أن أول ما نزل به جبريل :«بسم اللّه الرحمن الرحيم». وفي بعض طرق حديث خديجة وحملها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى ورقة، أن جبريل قال للنبي عليهما السلام :
قل :«بسم اللّه الرحمن الرحيم» فقالها : فقال : اقرأ، قال : ما أنا بقارئ... الحديث.
والبسملة تسعة عشر حرفا. فقال بعض الناس : إن رواية بلغتهم أن ملائكة النار الذين قال اللّه فيهم عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر : ٣٠] إنما ترتب عددهم على حروف بسم اللّه الرحمن الرحيم، لكل حرف ملك، وهم يقولون في كل أفعالهم :«بسم اللّه الرحمن الرحيم» فمن هنالك هي قوتهم، وباسم اللّه استضلعوا.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي اللّه عنه : وهذه من ملح التفسير، وليست من متين العلم، وهي نظير قولهم في ليلة القدر :«إنها ليلة سبع وعشرين»، مراعاة للفظة هي في كلمات سورة إِنَّا أَنْزَلْناهُ [القدر : ١] ونظير قولهم في عدد الملائكة الذين ابتدروا قول القائل :«ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه»، فإنها بضعة وثلاثون حرفا، قالوا : فلذلك قال النبي صلى اللّه عليه وسلم :«لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول». والباء في : بسم اللّه متعلقة عند نحاة البصرة باسم تقديره ابتداء مستقر أو ثابت بسم اللّه وعند نحاة الكوفة بفعل تقديره ابتدأت بسم اللّه، فبسم اللّه في موضع رفع على مذهب البصريين، وفي موضع نصب على مذهب الكوفيين، كذا أطلق القول قوم، والظاهر من مذهب سيبويه أن الباء متعلقة باسم كما تقدم، وبسم اللّه في موضع نصب تعلقا بثابت أو مستقر بمنزلة : في الدار من قولك زيد في الدار، وكسرت باء الجر ليناسب لفظها عملها، أو لكونها لا تدخل إلا على الأسماء فخصت بالخفض الذي