المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٦٦
وأما فضل هذه السورة فقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في حديث أبي بن كعب «إنها لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها». ويروى أنها تعدل ثلثي القرآن، وهذا العدل إما أن يكون في المعاني، وإما أن يكون تفضيلا من اللّه تعالى لا يعلل، وكذلك يجيء عدل قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص : ١] وعدل زُلْزِلَتِ [الزلزلة : ١].
وروى أنس بن مالك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال :«الحمد للّه رب العالمين فضل ثلاثين حسنة على سائر الكلام». وورد حديث آخر أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال :«من قال لا إله إلا اللّه كتبت له عشرون حسنة، ومن قال الحمد للّه رب العالمين كتبت له ثلاثون حسنة».
وهذا الحديث هو في الذي يقولها من المؤمنين مؤتجرا طالب ثواب، لأن قوله الحمد للّه في ضمنها التوحيد الذي هو معنى لا إله إلا اللّه، ففي قوله توحيد وحمد، وفي قول لا إله إلا اللّه توحيد فقط. فأما إذا أخذا بموضعهما من شرع الملة ومحلهما من رفع الكفر والإشراك فلا إله إلا اللّه أفضل، والحاكم بذلك قول النبي صلى اللّه عليه وسلم :«أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا اللّه».
الْحَمْدُ معناه الثناء الكامل، والألف واللام فيه لاستغراق الجنس من المحامد، وهو أعم من الشكر، لأن الشكر إنما يكون على فعل جميل يسدى إلى الشاكر، وشكره حمد ما، والحمد المجرد هو ثناء بصفات المحمود من غير أن يسدي شيئا، فالحامد من الناس قسمان : الشاكر والمثني بالصفات.
وذهب الطبري إلى أن الحمد والشكر بمعنى واحد، وذلك غير مرضي.
وحكي عن بعض الناس أنه قال :«الشكر ثناء على اللّه بأفعاله وأنعامه، والحمد ثناء بأوصافه».
قال القاضي أبو محمد : وهذا أصح معنى من أنهما بمعنى واحد. واستدل الطبري على أنهما بمعنى بصحة قولك الحمد للّه شكرا. وهو في الحقيقة دليل على خلاف ما ذهب إليه. لأن قولك شكرا إنما خصصت به الحمد أنه على نعمة من النعم. وأجمع السبعة وجمهور الناس على رفع الدال من «الحمد للّه».
وروي عن سفيان بن عيينة ورؤبة بن العجاج «الحمد للّه» بفتح الدال وهذا على إضمار فعل.
وروي عن الحسن بن أبي الحسن وزيد بن علي :«الحمد للّه»، بكسر الدال على إتباع الأول الثاني.
وروي عن ابن أبي عبلة :«الحمد للّه»، بضم الدال واللام، على اتباع الثاني والأول.
قال الطبري : الْحَمْدُ لِلَّهِ ثناء أثنى به على نفسه، وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا به عليه، فكأنه قال :
«قولوا الحمد للّه» وعلى هذا يجيء «قولوا إياك» قال : وهذا من حذف العرب ما يدل ظاهر الكلام عليه، كما قال الشاعر :
وأعلم أنني سأكون رمسا إذا سار النواعج لا يسير
فقال السائلون لمن حفرتم فقال القائلون لهم وزير


الصفحة التالية
Icon