المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٧٤
والصِّراطَ في اللغة الطريق الواضح فمن ذلك قول جرير :[الوافر].
أمير المؤمنين على صراط إذا اعوج الموارد مستقيم
ومنه قول الآخر : فصد عن نهج الصراط الواضح.
وحكى النقاش :«الصراط الطريق بلغة الروم».
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف جدا. واختلف القراء في الصِّراطَ فقرأ ابن كثير وجماعة من العلماء :«السراط» بالسين، وهذا هو أصل اللفظة.
قال الفارسي :«و رويت عن ابن كثير بالصاد». وقرأ باقي السبعة غير حمزة بصاد خالصة وهذا بدل السين بالصاد لتناسبها مع الطاء في الاطباق فيحسنان في السمع، وحكاها سيبويه لغة.
قال أبو علي : روي عن أبي عمرو السين والصاد، والمضارعة بين الصاد والزاي، رواه عنه العريان بن أبي سفيان. وروى الأصمعي عن أبي عمرو أنه قرأها بزاي خالصة.
قال بعض اللغويين :«ما حكاه الأصمعي من هذه القراءة خطأ منه، إنما سمع أبا عمرو يقرأ بالمضارعة فتوهمها زايا، ولم يكن الأصمعي نحويا فيؤمن على هذا».
قال القاضي أبو محمد : وحكى هذا الكلام أبو علي عن أبي بكر بن مجاهد. وقرأ حمزة بين الصاد والزاي. وروي أيضا عنه أنه إنما يلتزم ذلك في المعرفة دون النكرة.
قال ابن مجاهد :«و هذه القراءة تكلف حرف بين حرفين، وذلك أصعب على اللسان، وليس بحرف يبنى عليه الكلام ولا هو من حروف المعجم، ولست أدفع أنه من كلام فصحاء العرب، إلا أن الصاد أفصح وأوسع».
وقرأ الحسن والضحاك :«اهدنا صراطا مستقيما» دون تعريف وقرأ جعفر بن محمد الصادق :«اهدنا صراط المستقيم» بالإضافة وقرأ ثابت البناني :«بصرنا الصراط». واختلف المفسرون في المعنى الذي استعير له الصِّراطَ في هذا الموضع وما المراد به، فقال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه : الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ هنا القرآن» وقال جابر :«هو الإسلام» يعني الحنيفية. وقال : سعته ما بين السماء والأرض. وقال محمد بن الحنفية :«هو دين اللّه الذي لا يقبل من العباد غيره» وقال أبو العالية :«هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وصاحباه أبو بكر وعمر». وذكر ذلك للحسن بن أبي الحسن، فقال : صدق أبو العالية ونصح.
قال القاضي أبو محمد : ويجتمع من هذه الأقوال كلها أن الدعوة إنما هي في أن يكون الداعي على سنن المنعم عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين في معتقداته، وفي التزامه لأحكام شرعه، وذلك هو مقتضى القرآن والإسلام، وهو حال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وصاحبيه، وهذا الدعاء إنما أمر به المؤمنون وعندهم المعتقدات وعند كل واحد بعض الأعمال، فمعنى قولهم اهْدِنَا فيما هو حاصل عندهم طلب التثبيت والدوام، وفيما ليس بحاصل إما من جهة الجهل به أو التقصير في المحافظة عليه طلب الإرشاد إليه. وأقول إن كل داع به فإنما يريد الصِّراطَ بكماله في أقواله وأفعاله ومعتقداته، فيحسن على هذا أن يدعو في الصراط على الكمال من عنده بعضه ولا يتجه أن يراد ب اهْدِنَا في