المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٨٧
معنى الكفر مأخوذ من قولهم كفر إذا غطى وستر، ومنه قول الشاعر لبيد بن ربيعة :[الكامل ] في ليلة كفر النجوم غمامها أي سترها ومنه سمي الليل كافرا لأنه يغطي كل شيء بسواده قال الشاعر :[ثعلبة بن صغيرة] :
[الكامل ].
فتذكر ثقلا رثيدا بعد ما ألقت ذكاء يمينها في كافر
ومنه قيل للزراع كفار، لأنهم يغطون الحب، ف «كفر» في الدين معناه غطى قلبه بالرّين عن الإيمان أو غطى الحق بأقواله وأفعاله.
واختلف فيمن نزلت هذه الآية بعد الاتفاق على أنها غير عامة لوجود الكفار قد أسلموا بعدها.
فقال قوم :«هي فيمن سبق في علم اللّه أنه لا يؤمن أراد اللّه تعالى أن يعلم أن في الناس من هذه حاله دون أن يعين أحد».
وقال ابن عباس :«نزلت هذه الآية في حيي بن أخطب، وأبي ياسر وابن الأشرف ونظرائهم» وقال الربيع بن أنس :«نزلت في قادة الأحزاب وهم أهل القليب ببدر».
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي اللّه عنه : هكذا حكي هذا القول، وهو خطأ، لأن قادة الأحزاب قد أسلم كثير منهم، وإنما ترتيب الآية في أصحاب القليب، والقول الأول مما حكيناه هو المعتمد عليه، وكل من عين أحدا فإنما مثل بمن كشف الغيب بموته على الكفر أنه في ضمن الآية. وقوله : سَواءٌ عَلَيْهِمْ معناه معتدل عندهم، ومنه قول الشاعر :[أعشى قيس ] :[الطويل ]
وليل يقول الناس من ظلماته سواء صحيحات العيون وعورها
قال أبو علي : في اللفظة أربع لغات : سوى بكسر السين، وسواء بفتحها والمد، وهاتان لغتان معروفتان، ومن العرب من يكسر السين ويمد، ومنهم من يضم أوله ويقصره، وهاتان اللغتان أقل من تينك.
ويقال سي بمعنى سواء كما قالوا :«قي، وقواء»، وسَواءٌ رفع على خبر إِنَّ، أو رفع على الابتداء وخبره فيما بعده، والجملة خبر إِنَّ، ويصح أن يكون خبر إِنَّ لا يُؤْمِنُونَ.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير ونافع :«آنذرتهم» بهمزة مطولة، وكذلك ما أشبه ذلك في جميع القرآن، وكذلك كانت قراءة الكسائي إذا خفف، غير أن مد أبي عمرو أطول من مد ابن كثير، لأنه يدخل بين الهمزتين ألفا، وابن كثير لا يفعل ذلك. وروى قالون وإسماعيل بن جعفر عن نافع إدخال الألف بين الهمزتين مع تخفيف الثانية. وروى عنه ورش تخفيف الثانية بين بين دون إدخال ألف بين الهمزتين، فأما عاصم وحمزة والكسائي إذا حقق وابن عامر : فبالهمزتين «أ أنذرتهم»، وما كان مثله في كل القرآن.
وقرأ ابن عباس وابن أبي إسحاق بتحقيق الهمزتين وإدخال ألف بينهما.