المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٩٠
واختلف النحويون في لفظة النَّاسِ فقال قوم :«هي من نسي فأصل ناس نسي قلب فجاء نيس تحركت الياء وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا فقيل ناس، ثم دخلت الألف واللام».
وقال آخرون : ناس اسم من أسماء الجموع دون هذا التعليل، دخلت عليه الألف واللام.
وقال آخرون :«أصل ناس أناس دخلت الألف واللام فجاء الأناس، حذفت الهمزة فجاء الناس أدغمت اللام في النون لقرب المخارج». وهذه الآية نزلت في المنافقين.
وقوله تعالى : مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ رجع من لفظ الواحد إلى لفظ الجمع بحسب لفظ مِنَ ومعناها، وحسن ذلك لأن الواحد قبل الجمع في الرتبة، ولا يجوز أن يرجع متكلم من لفظ جمع إلى توحيد، لو قلت ومن الناس من يقولون ويتكلم لم يجز.
وسمى اللّه تعالى يوم القيامة بِالْيَوْمِ الْآخِرِ لأنه لا ليل بعده، ولا يقال يوم إلا لما تقدمه ليل، ثم نفى تعالى الإيمان عن المنافقين، وفي ذلك رد على الكرامية في قولهم إن الإيمان قول باللسان وإن لم يعتقد بالقلب.
واختلف المتأولون في قوله تعالى : يُخادِعُونَ اللَّهَ.
فقال الحسن بن أبي الحسن :«المعنى يخادعون رسول اللّه فأضاف الأمر إلى اللّه تجوزا لتعلق رسوله به، ومخادعتهم هي تحيلهم في أن يفشي رسول اللّه والمؤمنون لهم أسرارهم فيتحفظون مما يكرهونه ويتنبهون من ضرر المؤمنين على ما يحبونه».
وقال جماعة من المتأولين :«بل يخادعون اللّه والمؤمنين، وذلك بأن يظهروا من الإيمان خلاف ما أبطنوا من الكفر ليحقنوا دماءهم ويحرزوا أموالهم ويظنون أنهم قد نجوا وخدعوا وفازوا، وإنما خدعوا أنفسهم لحصولهم في العذاب وما شعروا لذلك».
واختلف القراء في يخادعون الثاني.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو :«يخادعون».
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي :«و ما يخدعون».
وقرأ أبو طالوت عبد السلام بن شداد والجارود بن أبي سبرة :«يخدعون» بضم الياء.
وقرأ قتادة ومورق العجلي :«يخدّعون» بضم الياء وفتح الخاء وكسر الدال وشدها. فوجه قراءة ابن كثير ومن ذكر إحراز تناسب اللفظ، وأن يسمى الفعل الثاني باسم الفعل الأول المسبب له ويجيء ذلك كما قال الشاعر :[عمرو بن كلثوم ] :[الوافر].
ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
فجعل انتصاره جهلا، ويؤيد هذا المنزع في هذه الآية أن فاعل قد تجيء من واحد كعاقبت اللص وطارقت النعل. وتتجه أيضا هذه القراءة بأن ينزل ما يخطر ببالهم ويهجس في خواطرهم من الدخول في