المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٩٣
فهذا إخبار بأنهم يكذبون. والقراءة بالتخفيف يؤيدها أن سياق الآيات إنما هي إخبار بكذبهم، والتوعد بالعذاب الأليم، متوجه على الكذب في مثل هذه النازلة، إذ هو منطو على الكفر، وقراءة التثقيل أرجح. وإِذا ظرف زمان، وحكي عن المبرد أنها في قولك في المفاجأة خرجت فإذا زيد ظرف مكان، لأنها تضمنت جثة، وهذا مردود لأن المعنى «خرجت فإذا حضور زيد» فإنما تضمنت المصدر، كما يقتضيه سائر ظروف الزمان، ومنه قولهم :«اليوم خمر، وغدا أمر» فمعناه وجود خمر ووقوع أمر، والعامل في إِذا في هذه الآية قالُوا. وأصل قِيلَ قول نقلت حركة الواو إلى القاف فقلبت ياء لانكسار ما قبلها.
وقرأ الكسائي :«قيل وغيض وسيء وسيئت وحيل وسيق وجي ء» بضم أوائل ذلك كله. وروي مثل ذلك عن ابن عامر. وروي أيضا عنه أنه كسر «غيض وقيل وجي ء»، الغين والقاف والجيم حيث وقع من القرآن وضم نافع من ذلك كله حرفين «سيء وسيئت» وكسر ما بقي. وكان ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة يكسرون أوائل هذه الحروف كلها، والضمير في لَهُمْ هو عائد إلى المنافقين المشار إليهم قبل.
وقال بعض الناس :«الإشارة هنا هي إلى منافقي اليهود».
وقال سلمان الفارسي رضي اللّه عنه في تفسير هذه الآية : لم يجىء هؤلاء بعد ومعنى قوله : لم ينقرضوا بل هم يجيئون في كل زمان.
ولا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ معناه بالكفر وموالاة الكفرة، ونَحْنُ اسم من ضمائر المرفوع مبني على الضم، إذ كان اسما قويا يقع للواحد المعظم والاثنين والجماعة، فأعطي أسنى الحركات.
وأيضا فلما كان في الأغلب ضمير جماعة، وضمير الجماعة في الأسماء الظاهرة الواو أعطي الضمة إذ هي أخت الواو، ولقول المنافقين : إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ ثلاث تأويلات :
أحدها : جحد أنهم مفسدون وهذا استمرار منهم على النفاق.
والثاني : أن يقروا بموالاة الكفار ويدعون أنها صلاح من حيث هم قرابة توصل.
والثالث : أنهم مصلحون بين الكفار والمؤمنين، فلذلك يداخلون الكفار. وأَلا استفتاح كلام، و«إن» بكسر الألف استئناف، وهُمُ الثاني رفع بالابتداء، والْمُفْسِدُونَ خبره والجملة خبر «إن»، ويحتمل أن يكون فصلا ويسميه الكوفيون :«العماد» ويكون الْمُفْسِدُونَ خبر «إن»، فعلى هذا لا موضع ل هُمُ من الإعراب، ويحتمل أن يكون تأكيدا للضمير في أنهم فموضعه نصب، ودخلت الألف واللام في قوله : الْمُفْسِدُونَ لما تقدم ذكر اللفظة في قوله : لا تُفْسِدُوا فكأنه ضرب من العهد، ولو جاء الخبر عنهم ولم يتقدم من اللفظة ذكر لكان ألا إنهم مفسدون. قاله الجرجاني.
قال القاضي أبو محمد : وهذه الألف واللام تتضمن المبالغة كما تقول زيد هو الرجل أي حق الرجل، فقد تستغني عن مقدمة تقتضي عهدا، ولكِنْ بجملته حرف استدراك، ويحتمل أن يراد هنا لا يشعرون أنهم مفسدون، ويحتمل أن يراد لا يشعرون أن اللّه يفضحهم، وهذا مع أن يكون قولهم إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ جحدا محضا للإفساد. والاحتمال الأول هو بأن يكون قولهم : إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ اعتقادا منهم أنه


الصفحة التالية
Icon