المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٩٥
قال مالك رحمه اللّه :«النفاق في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هو الزندقة فينا اليوم، فيقتل الزنديق إذا شهد عليه بها دون استتابة، لأنه لا يظهر ما يستتاب منه، وإنما كف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن المنافقين ليسن لأمته أن الحاكم لا يحكم بعلمه إذ لم يشهد على المنافقين».
قال القاضي إسماعيل :«لم يشهد على عبد اللّه بن أبي إلا زيد بن أرقم وحده، ولا على الجلاس بن سويد إلا عمير بن سعد ربيبه وحده، ولو شهد على أحد منهم رجلان بكفره ونفاقه لقتل».
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي اللّه عنه : أقوى من انفراد زيد وغيره أن اللفظ ليس بصريح كفر وإنما يفهم من قوته الكفر.
قال الشافعي رحمه اللّه :«السنة فيمن شهد عليه بالزندقة فجحد وأعلن بالإيمان وتبرأ من كل دين سوى الإسلام أن ذلك يمنع من إراقة دمه». وبه قال أصحاب الرأي والطبري وغيرهم.
قال الشافعي وأصحابه :«و إنما منع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من قتل المنافقين ما كانوا يظهرونه من الإسلام بألسنتهم مع العلم بنفاقهم لأن ما يظهرونه يجب ما قبله فمن قال إن عقوبة الزنادقة أشد من عقوبة الكفار فقد خالف معنى الكتاب والسنة وجعل شهادة الشهود على الزنديق فوق شهادة اللّه على المنافقين».
قال اللّه تعالى : إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ.
[المنافقون : ١].
قال الشافعي وأبو حنيفة وابن حنبل وأهل الحديث : فالمعنى الموجب لكف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن قتل المنافقين مع العلم بهم أن اللّه تعالى نهاه عن قتلهم إذا أظهروا الإيمان وصلوا فكذلك هو الزنديق.
واحتج ابن حنبل بحديث عبيد اللّه بن عدي بن الخيار عن رجل من الأنصار في الذي شهد عليه عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالنفاق فقال :«أليس يشهد أن لا إله إلا اللّه وأني رسول اللّه؟ قالوا بلى ولا شهادة له، قال : أليس يصلي؟ قالوا بلى ولا صلاة له، قال : أولئك الذين نهاني اللّه عنهم».
وذكر أيضا أهل الحديث ما روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال فيهم :«لعل اللّه سيخرج من أصلابهم من يؤمن باللّه ويصدق المرسلين ويخلص العبادات لرب العالمين».
قال أبو جعفر الطبري في كتاب اللطيف في باب المرتد :«إن اللّه تعالى قد جعل الأحكام بين عباده على الظاهر وتولى الحكم في سرائرهم دون أحد من خلقه فليس لأحد أن يحكم بخلاف ما ظهر لأنه حكم بالظنون، ولو كان ذلك لأحد كان أولى الناس به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقد حكم للمنافقين بحكم المسلمين بما أظهروا ووكل سرائرهم إلى اللّه وقد كذب اللّه ظاهرهم في قوله تعالى : وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ [المنافقون : ١].
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي اللّه عنه : ينفصل المالكيون عما ألزموه من هذه الآية بأنها لم


الصفحة التالية
Icon