المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٩٨
صلة ل الَّذِينَ، وأصله اشتريوا تحركت الياء وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا فحذفت لالتقاء الساكنين، وقيل استثقلت الضمة على الياء فسكنت وحذفت للالتقاء وحركت الواو بعد ذلك للالتقاء بالساكن بعدها، وخصت بالضم لوجوه منها أن الضمة أخت الواو وأخف الحركات عليها، ومنها أنه لما كانت واو جماعة ضمت كما فعل بالنون في «نحن». ومنها أنها ضمت اتباعا لحركة الياء المحذوفة قبلها.
قال أبو على :«صار الضم فيها أولى ليفصل بينها وبين واو «أو» و«لو» إذ هذان يحركان بالكسر».
وقرأ أبو السمال قعنب العدوي بفتح الواو في :«اشتروا الضلالة».
وقرأها يحيى بن يعمر بكسر الواو. والضلالة والضلال : التلف نقيض الهدى الذي هو الرشاد إلى المقصد.
واختلفت عبارة المفسرين عن معنى قوله : اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فقال قوم :«أخذوا الضلالة وتركوا الهدى».
وقال آخرون : استحبوا الضلالة وتجنبوا الهدى كما قال تعالى : فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى [فصلت : ١٧].
وقال آخرون : الشراء هنا استعارة وتشبيه، لما تركوا الهدى وهو معرض لهم ووقعوا بدله في الضلالة واختاروها شبهوا بمن اشترى فكأنهم دفعوا في الضلالة هداهم إذ كان لهم أخذه.
وبهذا المعنى تعلق مالك رحمه اللّه في منع أن يشتري الرجل على أن يتخير في كل ما تختلف آحاد جنسه ولا يجوز فيه التفاضل.
وقال قوم : الآية فيمن كان آمن من المنافقين ثم ارتد في باطنه وعقده ويقرب الشراء من الحقيقة على هذا.
وقوله تعالى : فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ ختم للمثل بما يشبه مبدأه في لفظة الشراء، وأسند الربح إلى التجارة كما قالوا :«ليل قائم ونهار صائم». والمعنى فما ربحوا في تجارتهم.
وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة «فما ربحت تجاراتهم» بالجمع.
وقوله تعالى : وَما كانُوا مُهْتَدِينَ قيل المعنى في شرائهم هذا، وقيل على الإطلاق، وقيل في سابق علم اللّه، وكل هذا يحتمله اللفظ.
قوله عز وجل :
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٧ الى ١٨]
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨)
«المثل والمثل والمثيل» واحد، معناه الشبه، هكذا نص أهل اللغة والمتماثلان المتشابهان، وقد يكون مثل الشيء جرما مثله، وقد يكون ما تعقل النفس وتتوهمه من الشيء مثلا له، فقوله تعالى : مَثَلُهُمْ