المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ١٥٨
أي يعلمونهن من الحيلة في الاصطياد والتأتي لتحصيل الحيوان وهذا جزء مما علمه اللّه الإنسان ف «من» للتبعيض، ويحتمل أن تكون لابتداء الغاية وأنث الضمير في تُعَلِّمُونَهُنَّ مراعاة للفظ الْجَوارِحِ إذ هو جمع جارحة، وقوله تعالى : فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ يحتمل أن يريد مما أمسكن فلم يأكلن منه شيئا.
ويحتمل أن يريد مما «أمسكن» وإن أكلن بعض الصيد وبحسب هذا الاحتمال اختلف العلماء في جواز أكل الصيد إذا أكل منه الجارح وقد تقدم ذلك، وقوله تعالى : وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أمر بالتسمية عند الإرسال على الصيد وفقه الصيد والذبح في معنى التسمية واحد فقال بعض العلماء هذا الأمر على الوجوب ومتى ترك المرسل أو الذابح التسمية عمدا أو نسيانا لم تؤكل وممن رويت عنه كراهية ما لم يسم عليه اللّه نسيانا الشعبي وابن سيرين ونافع وأبو ثور، ورأى بعض العلماء هذا الأمر بالتسمية على الندب وإلى ذلك ينحو أشهب في قوله إن ترك التسمية مستخفا لم تؤكل وإن تركها عامدا لا يدري قدر ذلك لكنه غير متهاون بأمر الشريعة فإنها تؤكل ومذهب مالك وجمهور أهل العلم : أن التسمية واجبة مع الذكر ساقطة مع النسيان فمن تركها عامدا فقد أفسد الذبيحة والصيد ومن تركها ناسيا سمى عند الأكل وكانت الذبيحة جائزة، واستحب أكثر أهل العلم أن لا يذكر في التسمية غير اللّه تعالى وأن لفظها بسم اللّه واللّه كبر، وقال قوم : إن صلى مع ذلك على النبي صلى اللّه عليه وسلم فجائز، ثم أمر تعالى بالتقوى على الجملة والإشارة الغريبة هي إلى ما تضمنته هذه الآيات من الأوامر وسرعة الحساب هي من أنه تبارك وتعالى قد أحاط بكل شيء علما فلا يحتاج إلى محاولة عد ويحاسب جميع الخلائق دفعة واحدة، وتحتمل الآية أن تكون وعيدا بيوم القيامة كأنه قال إن حساب اللّه لكم سريع إتيانه إذ يوم القيامة قريب، ويحتمل أن يريد ب الْحِسابِ المجازاة فكأنه توعد في الدنيا بمجازاة سريعة قريبة إن لم يتق اللّه.
قوله عز وجل :
[سورة المائدة (٥) : آية ٥]
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٥)
وقوله تعالى : الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ إشارة إلى الزمن والأوان، والخطاب للمؤمنين، وتقدم القول في الطَّيِّباتُ وقوله تعالى : وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ ابتداء وخبر، وحِلٌّ معناه حلال، والطعام في هذه الآية الذبائح كذا قال أهل التفسير، وذلك أن الطعام الذي لا محاولة فيه كالبر والفاكهة ونحوه لا يضر فيه ويحرم عينه تملك أحد، والطعام الذي تقع فيه محاولة على ضربين فمنه ما محاولته صنعة لا تعلق للدين بها كخبز الدقيق وتعصير الزيت ونحوه فهذا إن جنب من الذمي فعلى جهة التقزز، والضرب الثاني هي التزكية التي هي محتاجة إلى الدين والنية فلما كان القياس ألا تجوز ذبائحهم كما تقول : إنهم لا صلاة لهم ولا صوم ولا عبادة مقبولة رخص اللّه تعالى في ذبائحهم على هذه الأمة وأخرجها بالنص عن القياس، ثم إن العلماء اختلفوا في لفظ طعام فقال الجمهور : وهي الذبيحة كلها وتذكية الذمي عاملة لنا في كل الذبيحة ما حل له منها وما حرم عليه لأنه مذك. وقالت جماعة من أهل العلم إنما أحل لنا طعامهم من الذبيحة أي الحلال لهم لأن ما لا يحل لهم لا تعمل فيه تذكيتهم فمنعت هذه الطائفة الطريف والشحوم المحضة من ذبائح أهل الكتاب، وهذا الخلاف موجود في مذهب مالك رحمه اللّه، واختلف