المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ١٦٠
قوله عز وجل :
[سورة المائدة (٥) : آية ٦]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٦)
لا يختلف أن هذه الآية هي التي قالت عائشة رضي اللّه عنها فيها نزلت آية التيمم وهي آية الوضوء، لكن من حيث كان الوضوء متقررا عندهم مستعملا فكأن الآية لم تزدهم فيه إلا تلاوته، وإنما أعطتهم الفائدة والرخصة في التيمم واستدل على حصول الوضوء بقول عائشة فأقام رسول اللّه بالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء، وآية النساء إما نزلت معها أو بعدها بيسير، وكانت قصة التيمم في سفر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق. وفيها كان هبوب الريح فيما روي، وفيها كان قول عبد اللّه بن أبي ابن سلول لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ [المنافقون : ٨] القصة بطولها، وفيها وقع حديث الإفك. ولما كانت محاولة الصلاة في الأغلب إنما هي بقيام جاءت العبارة إِذا قُمْتُمْ، واختلف الناس في القرينة التي أريدت مع قوله إِذا قُمْتُمْ فقالت طائفة : هذا لفظ عام في كل قيام سواء كان المرء على طهور أو محدثا فإنه ينبغي له إذا قام إلى الصلاة أن يتوضأ وروي أن علي بن أبي طالب كان يفعل ذلك ويقرأ الآية، وروي نحوه عن عكرمة، وقال ابن سيرين : كان الخلفاء يتوضؤون لكل صلاة، وروي أن عمر بن الخطاب توضأ وضوءا فيه تجوز ثم قال هذا وضوء من لم يحدث وقال عبد اللّه بن حنظلة بن أبي عامر الغسيل : إن النبي صلى اللّه عليه وسلم أمر بالوضوء عند كل صلاة فشق ذلك عليه فأمر بالسواك ورفع عنه الوضوء إلا من حدث.
قال القاضي أبو محمد رضي اللّه عنه : فكان كثير من الصحابة منهم ابن عمر وغيره يتوضؤون لكل صلاة انتدابا إلى فضيلة وكذلك كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يفعل ثم جمع بين صلاتين بوضوء واحد في حديث سويد بن النعمان وفي غير موطن إلى أن جمع يوم الفتح بين الصلوات الخمس بوضوء واحد إرادة البيان لأمته وروى ابن عمر أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات، وقال : إنما رغبت في هذا، وقالت فرقة : نزلت هذه الآية رخصة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لأنه كان لا يعمل عملا إلا وهو على وضوء ولا يكلم أحدا ولا يرد سلاما إلى غير ذلك فأعلمه اللّه بهذه الآية أن الوضوء إنما هو عند القيام إلى الصلاة فقط دون سائر الأعمال، قال ذلك علقمة بن الفغواء وهو من الصحابة، وكان دليل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى تبوك، وقال زيد بن أسلم والسدي : معنى الآية إذا قمتم إلى الصلاة من المضاجع يعني النوم.