المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ١٦٨
كلهم على هذه الطريقة ومنه قيل في عمر : إنه كان لنقابا، فالنقباء قوم كبار من كل سبط تكفل كل واحد بسبطه بأن يؤمنوا ويتقوا اللّه تعالى.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي اللّه عنه : ونحو هذا كان النقباء ليلة بيعة العقبة مع محمد صلى اللّه عليه وسلم، وهي العقبة الثالثة بايع فيها سبعون رجلا وامرأتان فاختار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من السبعين اثني عشر رجلا وسماهم النقباء، وقال الربيع والسدي وغيرهما إنما بعث النقباء من بني إسرائيل أمناء على الاطلاع على الجبارين والسبر لقوتهم ومنعتهم فساروا حتى لقيهم رجل من الجبارين فأخذهم جميعا فجعلهم في حجزته.
قال القاضي أبو محمد : في قصص طويل ضعيف مقتضاه أنهم اطلعوا من الجبارين على قوة عظيمة وظنوا أنهم لا قبل لهم بهم فتعاقدوا بينهم على أن يخفوا ذلك عن بني إسرائيل وأن يعلموا به موسى عليه السلام ليرى فيه أمر ربه فلما انصرفوا إلى بني إسرائيل خان منهم عشرة فعرفوا قراباتهم ومن وثقوه على سرهم ففشا الخبر حتى اعوج أمر بني إسرائيل وقالوا اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون، وأسند الطبري عن ابن عباس قال : النقباء من بني إسرائيل بعثهم موسى لينظروا إلى مدينة الجبارين فذهبوا ونظروا فجاءوا بحبة من فاكهتهم وقر رجل فقالوا : اقدروا قدر قوة قوم هذه فاكهتهم فكان ذلك سبب فتنة بني إسرائيل ونكولهم، وذكر النقاش أن معنى قوله تعالى : وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً أي ملكا وأن الآية تعديد نعمة اللّه عليهم في أن بعث لإصلاحهم هذا العدد من الملوك قال فما وفى منهم إلا خمسة داود عليه السلام وابنه سليمان وطالوت وحزقيا وابنه وكفر السبعة وبدلوا وقتلوا الأنبياء وخرج خلال الاثني عشر اثنان وثلاثون جبارا كلهم يأخذ الملك بالسيف ويعيث فيهم والضمير في مَعَكُمْ لبني إسرائيل جميعا ولهم كانت هذه المقالة وقال الربيع : بل الضمير للاثني عشر ولهم كانت هذه المقالة.
قال القاضي أبو محمد : والقول الأول أرجح ومَعَكُمْ معناه بنصري وحياطتي وتأييدي واللام في قوله لَئِنْ هي المؤذنة بمجيء لام القسم ولام القسم هي قوله لَأُكَفِّرَنَّ والدليل على أن هذه اللام إنما هي مؤذنة أنها قد يستغنى عنها أحيانا ويتم الكلام دونها ولو كانت لام القسم لن يترتب ذلك، وإقامة الصلاة توفية شروطها والزَّكاةَ هنا شيء من المال كان مفروضا فيما قال بعض المفسرين ويحتمل أن يكون المعنى وأعطيتم من أنفسكم كل ما فيه زكاة لكم حسبما ندبتم إليه وقدم هذه على الإيمان تشريفا للصلاة والزكاة وإذ قد علم وتقرر أنه لا ينفع عمل إلا بإيمان، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «برسلي» ساكنة السين في كل القرآن. وَعَزَّرْتُمُوهُمْ معناه وقرتموهم وعظمتموهم ونصرتموهم ومنه قول الشاعر :
وكم من ماجد لهم كريم ومن ليث يعزر في الندى
وقرأ عاصم الجحدري «و عزرتموهم» خفيفة الزاي حيث وقع وقرأ في سورة الفتح «و تعزوه» بفتح التاء وسكون العين وضم الزاي، وقد تقدم في سورة البقرة تفسير الإقراض، وتكفير السيئات تغطيتها بالمحو والإذهاب فهي استعارة وسَواءَ السَّبِيلِ وسطه ومنه سَواءِ الْجَحِيمِ [الصافات : ٥٥] ومنه قول الأعرابي قد انقطع سوائي، وأوساط الطرق هي المعظم اللاحب منها، وسائر ما في الآية بيّن واللّه المستعان.


الصفحة التالية
Icon