المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ١٨٣
أحدهما واحدة من ثمر شجرته وطعم الآخر ثمر شجرته كله، فقد استويا في الحنث، وقوله تعالى : وَمَنْ أَحْياها فيه تجوز لأنها عبارة عن الترك والإنقاذ وإلا فالإحياء حقيقة الذي هو الاختراع إنما هو للّه تعالى.
وإنما هذا الإحياء بمنزلة قول نمرود، أنا أحيي، سمى الترك إحياء، ومحيي نفس كمحيي الجميع في حفظ الحرمة واستحقاق الحمد، ثم أخبر اللّه تعالى عن «بني إسرائيل» أنهم جاءتهم الرسل من اللّه بالبينات في هذا وفي سواه، ثم لم يزل الكثير منهم بعد ذلك في كل عصر يسرفون ويتجاوزون الحدود، وفي هذه الآية إشارة إلى فعل اليهود في همهم بقتل النبي صلى اللّه عليه وسلم وغيره إلى سائر ذلك من أعمالهم.
قوله عز وجل :
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٣٣ الى ٣٤]
إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤)
اقتضى المعنى في هذه الآية كون إِنَّما حاصرة الحصر التام، واختلف الناس في سبب هذه الآية، فروي عن ابن عباس والضحاك أنها نزلت بسبب قوم من أهل الكتاب كان بينهم وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عهد فنقضوا العهد وقطعوا السبيل وأفسدوا في الأرض.
قال القاضي أبو محمد : ويشبه أن تكون نازلة بني قريظة حين هموا بقتل النبي صلى اللّه عليه وسلم، وقال عكرمة والحسن : نزلت الآية في المشركين.
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا ضعف، لأن توبة المشرك نافعة بعد القدرة عليه وعلى كل حال، وقال أنس بن مالك وجرير بن عبد اللّه وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير وعبد اللّه بن عمر وغيرهم : إن الآية نزلت في قوم من عكل وعرينة قدموا على النبي صلى اللّه عليه وسلم فأسلموا ثم إنهم مرضوا واستوخموا المدينة فأمرهم النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يكونوا في لقاح الصدقة، وقال اشربوا من ألبانها وأبوالها.
فخرجوا فيها فلما صحوا قتلوا الرعاء واستاقوا الإبل فجاء الصريخ فأخبر بذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم، فأمر فنودي في الناس يا خيل اللّه اركبي، فركب رسول اللّه على أثرهم فأخذوا، وقال جرير بن عبد اللّه فبعثني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في نفر من المسلمين حتى إذا أدركناهم، وقد أشرفوا على بلادهم فجئنا بهم النبي صلى اللّه عليه وسلم، قال جميع الرواة فقطع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمر أعينهم، ويروى وسمل، وتركهم في جانب الحرة يستسقون فلا يسقون، وفي حديث جرير، فكانوا يقولون الماء ويقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : النار، وفي بعض الروايات عن أنس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أحرقهم بالنار بعد ما قتلهم، قال أبو قلابة، هؤلاء كفروا وقتلوا وأخذوا الأموال وحاربوا اللّه ورسوله، وحكى الطبري عن بعض أهل العلم أن هذه الآية نسخت فعل النبي


الصفحة التالية
Icon