المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ١٩٩
للنبيين المذكورين في قوله : يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ [المائدة : ٤٤] ومُصَدِّقاً حال مؤكده.
والتَّوْراةِ بين يدي عيسى لأنها جاءت قبله كما أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين يدي الساعة، وقد تقدم القول في هذا المعنى في غير موضع، والْإِنْجِيلَ اسم أعجمي ذهب به مذهب الاشتقاق من نجل إذا استخرج وأظهر، والناس على قراءته بكسر الهمزة إلا الحسن بن أبي الحسن فإنه قرأ «الإنجيل» بفتح الهمزة، وقد تقدم القول على ذلك في أول سورة آل عمران. و«الهدى» الإرشاد والدعاء إلى توحيد اللّه وإحياء أحكامه. و«النور» ما فيه مما يستضاء به. ومُصَدِّقاً حال مؤكدة معطوفة على موضع الجملة التي هي فيه هدى فإنها جملة في موضع الحال. وقال مكي وغيره : مُصَدِّقاً معطوف على الأول.
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا قلق من جهة اتساق المعاني. وقرأ الناس «و هدى وموعظة» بالنصب. وذلك عطف على مُصَدِّقاً، وقرأ الضحاك «و هدى وموعظة» بالرفع وذلك متجه. وخص «المتقين» بالذكر لأنهم المقصود به في علم اللّه وإن كان الجميع يدعى ويوعظ ولكن ذلك على غير المتقين عمى وحيرة.
وقرأ أبيّ بن كعب «و أن ليحكم» بزيادة أن. وقرأ حمزة وحده «و ليحكم» بكسر اللام وفتح الميم على لام كي ونصب الفعل بها، والمعنى وآتيناه الإنجيل ليتضمن الهدى والنور والتصديق ليحكم أهله بما أنزل اللّه فيه، وقرأ باقي السبعة «و ليحكم» بسكون اللام التي هي لام الأمر وجزم الفعل. ومعنى أمره لهم بالحكم أي هكذا يجب عليهم. وحسن عقب ذلك التوقيف على وعيد من خالف ما أنزل اللّه. ومن القراء من يكسر لام الأمر ويجزم الفعل وقد تقدم نظير هذه الآية، وتقريره هذه الصفات لمن لم يحكم بما أنزل اللّه هو على جهة التأكيد وأصوب ما يقال فيها أنها تعم كل مؤمن وكل كافر، فيجيء كل ذلك في الكافر على أتم وجوهه، وفي المؤمن على معنى كفر المعصية وظلمها وفسقها.
وأخبر تعالى بعد بنزول هذا القرآن، وقوله : بِالْحَقِّ يحتمل أن يريد مضمنا الحقائق من الأمور فكأنه نزل بها، ويحتمل أن يريد أنه أنزله بأن حق ذلك لا أنه وجب على اللّه ولكن حق في نفسه وأنزله اللّه تعالى صلاحا لعباده، وقوله : مِنَ الْكِتابِ يريد من الكتب المنزلة. فهو اسم جنس، واختلفت عبارة المفسرين في معنى «مهيمن». فقال ابن عباس : مُهَيْمِناً شاهدا. وقال أيضا مؤتمنا. وقال ابن زيد :
معناه مصدقا، وقال الحسن بن أبي الحسن أمينا، وحكى الزجاج رقيبا ولفظة المهيمن أخص من هذه الألفاظ، لأن المهيمن على الشيء هو المعنيّ بأمره الشاهد على حقائقه الحافظ لحاصله ولأن يدخل فيه ما ليس منه واللّه تبارك وتعالى هو المهيمن على مخلوقاته وعباده، والوصي مهيمن على محجوريه وأموالهم، والرئيس مهيمن على رعيته وأحوالهم، والقرآن جعله اللّه مهيمنا على الكتب يشهد بما فيها من الحقائق وعلى ما نسبه المحرفون إليها فيصحح الحقائق ويبطل التحريف، وهذا هو شاهد ومصدق ومؤتمن وأمين، و«مهيمن» بناء اسم فاعل، قال أبو عبيدة : ولم يجىء في كلام العرب على هذا البناء إلا أربعة أحرف.
وهي مسيطر ومبيطر ومهيمن ومجيمر. وذكر أبو القاسم الزجّاج في شرحه لصدر أدب الكتاب ومبيقر. يقال بيقر الرجل إذا سار من الحجاز إلى الشام ومن أفق إلى أفق، وبيقر أيضا لعب البيقرا وهي لعب يلعب بها