المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٢٠٧
يجوز أن يقال عسى اللّه أن يقول المؤمنون. وهكذا قوله تعالى : لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ [المنافقون : ١٠] لما كان المعنى «أخرني إلى أجل قريب» أصدق وحمل أَكُنْ على الجزم الذي يقتضيه المعنى في قوله فَأَصَّدَّقَ، والوجه الثاني أن يكون قوله أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ [المائدة : ٥٢] بدلا من اسم اللّه عز وجل كما أبدل من الضمير في قوله تعالى : وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ [الكهف : ٦٣] ثم يعطف وَيَقُولُ على أن يأتي لأنه حينئذ كأنك قلت عسى أن يأتي، والوجه الثالث أن يعطف قوله وَيَقُولُ على فَيُصْبِحُوا [المائدة : ٥٢] إذ هو فعل منصوب بالفاء في جواب التمني، إذ قوله عسى اللّه تمن وترج في حق البشر، وفي هذا الوجه نظر وكذلك عندي في منعهم جواز عسى اللّه أن يقول المؤمنون نظر، إذ اللّه تعالى يصيرهم يقولون بنصره وإظهار دينه، فينبغي أن يجوز ذلك اعتمادا على المعنى وقوله تعالى : جَهْدَ أَيْمانِهِمْ نصب جهد على المصدر المؤكد والمعنى أهؤلاء هم المقسمون باجتهاد منهم في الأيمان إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ ثم قد ظهر الآن منهم من موالاة اليهود وخذل الشريعة ما يكذب إيمانهم، ويحتمل قوله تعالى : حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ أن يكون إخبارا من اللّه تعالى، ويحتمل أن يكون من قول المؤمنين على جهة الإخبار بما حصل في اعتقادهم إذ رأوا المنافقين في هذه الأحوال، ويحتمل أن يكون قوله حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ على جهة الدعاء إما من اللّه تعالى عليهم وإما من المؤمنين، وحبط العمل إذا بطل بعد أن كان حاصلا، وقد يقال حبط في عمل الكفار وإن كان لم يتحصل على جهة التشبيه، وقرأ جمهور الناس «حبطت بكسر الباء وقرأ أبو واقد والجراح «حبطت» بفتح الباء وهي لغة.
وقوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ الآية قال فيها الحسن بن أبي الحسن ومحمد بن كعب القرظي والضحاك وقتادة نزلت الآية خطابا للمؤمنين عامة إلى يوم القيامة، والإشارة بالقوم الذين يأتي اللّه بهم إلى أبي بكر الصديق وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة، وقال هذا القول ابن جريج وغيره.
قال القاضي أبو محمد : ومعنى الآية عندي أن اللّه وعد هذه الأمة من ارتد منها فإنه يجيء بقوم ينصرون الدين ويغنون عن المرتدين فكان أبو بكر وأصحابه ممن صدق فيهم الخبر في ذلك العصر، وكذلك هو عندي أمر عليّ مع الخوارج، وروى أبو موسى الأشعري أنه لما نزلت هذه الآية قرأها النبي صلى اللّه عليه وسلم وقال : هم قوم هذا يعني أبا موسى الأشعري وقال هذا القول عياض، وقال شريح بن عبيد : لما نزلت هذه الآية قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه : أنا وقومي هم يا رسول اللّه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : لا ولكنهم قوم هذا، وأشار إلى أبي موسى، وقال مجاهد ومحمد بن كعب أيضا : الإشارة إلى أهل اليمن، وقاله شهر بن حوشب.
قال القاضي أبو محمد : وهذا كله عندي قول واحد، لأن أهل اليمن هم قوم أبي موسى، ومعنى الآية على هذا القول مخاطبة جميع من حضر عصر النبي صلى اللّه عليه وسلم على معنى التنبيه لهم والعتاب والتوعد، وقال السدي الإشارة بالقوم إلى الأنصار.


الصفحة التالية
Icon