المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٢١٩
والأسى الحزن يقال أسي الرجل يأسى أسى إذا حزن، ومنه قول الراجز :
وانحلبت عيناه من فرط الأسى.
وأسند الطبري إلى ابن عباس قال : جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رافع بن جارية وسلام بن مشكم ومالك بن الصيف ورافع بن حريملة فقالوا : يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم وأنك تؤمن بالتوراة وبنبوة موسى وأن جميع ذلك حق؟ قال : بلى، ولكنكم أحدثتم وغيرتم وكتمتم، فقالوا : إنّا نأخذ بما في أيدينا فإنه الحق ولا نصدقك ولا نتبعك، فنزلت الآية بسبب ذلك قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ الآية.
قوله عز وجل :
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٦٩ الى ٧٠]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩) لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (٧٠)
الَّذِينَ لفظ عام لكل مؤمن من ملة محمد ومن غيرها من الملل، فكأن ألفاظ الآية حصر بها الناس كلهم وبينت الطوائف على اختلافها، وهذا تأويل جمهور المفسرين، وقال الزجاج المراد بقوله : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا المنافقون، فالمعنى ان الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم.
قال القاضي أبو محمد : فكأن ألفاظ الآية عدت الطوائف التي يمكن أن تنتقل إلى الإيمان، ثم نفى عنهم الخوف والحزن بشرط انتقالهم إلى الإيمان باللّه واليوم الآخر، وعلى التأويل الأول يكون قوله مَنْ آمَنَ في حيز المؤمنين بمعنى ثبت واستمر، وقد تقدم تفسير هادُوا وتفسير «الصابئين» وتفسير النَّصارى في سورة البقرة، واختلف القراء في إعراب الصابئين في هذه الآية فقرأ الجمهور و«الصابئون» بالرفع وعليه مصاحف الأمصار والقراء السبعة، وقرأ عثمان بن عفان وعائشة وأبي بن كعب وسعيد بن جبير والجحدري «و الصابين» وهذه قراءة بينة الإعراب، وقرأ الحسن بن أبي الحسن والزهري «و الصابيون» بكسر الباء وضم الياء دون همز، وقد تقدم في سورة البقرة، وأما قراءة الجمهور «و الصابئون» فمذهب سيبويه والخليل ونحاة البصرة أنه من المقدم الذي معناه التأخير وهو المراد به، كأنه قال «إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والصابئون والنصارى» كذلك، وأنشد الزجاج نظيرا في ذلك :
وإلا فاعلموا أنا وأنتم بغاة ما بقينا في شقاق
فقوله وأنتم مقدم في اللفظ مؤخر في المعنى أي وأنتم كذلك، وحكى الزجّاج عن الكسائي والفراء أنهما قالا : والصَّابِئُونَ عطف على الَّذِينَ، إذ الأصل في الَّذِينَ الرفع وإذ نصب إِنَّ ضعيف وخطأ الزجّاج هذا القول وقال : إِنَّ أقوى النواصب، وحكي أيضا عن الكسائي أنه قال والصَّابِئُونَ عطف على الضمير في هادُوا والتقدير هادوا هم والصابئون، وهذا قول يرده المعنى لأنه يقتضي أن الصابئين هادوا، وقيل إن معنى نعم، وما بعدها مرفوع بالابتداء، وروي عن بعضهم أنه قرأ «و الصابئون» بالهمز، واتصال هذه