المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٢٢٨
ثم ذكر اللّه تعالى ما أثابهم به من النعيم على إيمانهم وإحسانهم.
ثم ذكر حال الكافرين المكذبين وأنهم قرناء الجحيم، والمعنى قد علم من غير ما آية من كتاب اللّه أنه اقتران لازم دائم أبدي.
وقوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ الآية قال أبو مالك وعكرمة وإبراهيم النخعي وأبو قلابة وقتادة والسدي وعبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنه وغيرهم : إنها نزلت بسبب جماعة من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم بلغت منهم المواعظ وخوف اللّه إلى أن حرم بعضهم النساء وبعضهم النوم بالليل والطيب وهمّ بعضهم بالاختصاء وكان منهم علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون، قال عكرمة : ومنهم ابن مسعود والمقداد وسالم مولى أبي حذيفة، وقال قتادة رفضوا النساء واللحم وأرادوا أن يتخذوا الصوامع، وقال ابن عباس أخذوا الشفار ليقطعوا مذاكرهم، وطول السدي في قصة الحولاء امرأة عثمان بن مظعون مع أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم وإخبارها بأنه لم يلم بها، فلما أعلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بحالهم قال :«أما أنا فأقوم وأنام وأصوم وأفطر وآتي النساء وأنال الطيب، فمن رغب عن سنتي فليس مني» قال الطبري : وكان فيما يتلى من رغب عن سنتك فليس من أمتك، وقد ضل سواء السبيل، وقال ابن زيد : سبب هذه الآية أن عبد اللّه بن رواحة ضافه ضيف فانقلب ابن رواحة وضيفه لم يعشّ فقال لزوجه ما عشيته؟ قالت : كان الطعام قليلا فانتظرتك، فقال : حبست ضيفي من أجلي، طعامك علي حرام إن ذقته، فقالت هي : وهو علي حرام إن ذقته وإن لم تذقه، وقال الضيف وهو عليّ حرام إن ذقته إن لم تذوقوه، فلما رأى ذلك ابن رواحة قال : قربي طعامك كلوا باسم اللّه فأكلوا جميعا. ثم غدا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبره فقال له رسول اللّه أحسنت ونزلت هذه الآية وأسند الطبري إلى ابن عباس أن الآية نزلت بسبب رجل أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال يا رسول اللّه إني إذا أصبت من اللحم انتشرت وأخذتني شهوتي فحرمت اللحم فأنزل اللّه هذه الآية.
قال القاضي أبو محمد رضي اللّه عنه : و«الطيبات» في هذه الآية المستلذات بدليل إضافتها إلى ما أحل وبقرينة ما ذكر من سبب الآية، واختلف المتأولون في معنى قوله وَلا تَعْتَدُوا فقال السدي وعكرمة وغيرهما. وهو نهي عن هذه الأمور المذكورة من تحريم ما أحل اللّه وشرع ما لم يأذن به، فقوله وَلا تَعْتَدُوا تأكيد لقوله لا تُحَرِّمُوا وقال الحسن بن أبي الحسن : المعنى ولا تعتدوا فتحلوا ما حرم اللّه، فالنهيان على هذا تضمنا الطرفين كأنه لا تشددوا فتحرموا حلالا ولا تترخصوا فتحلوا حراما وقد تقدم القول في معنى لا يحب المعتدين غير مرة.
قوله عز وجل :
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٨٨ الى ٨٩]
وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨) لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩)